اقتباسات أمنية شفيق

فرغم تغيُّر الأجيال إلا أنَّ الحنين إلى الطبيعة يقود الإنسان إلى راحته حيث جذوره الراسخة.

ذلك ما لا حيلة لنا فيه، فكلنا نكبر معذبون بالحنين.

- رأى الكفيل أنني لم أنظف السيارة جيدًا فصفعني خمس صفعات على وجهي ‫ احتار السائل، فإجابة شاجي لم تتغيَّر وإن هدأت غضبته: ‫ - هل تريد أن نُعيدك إلى كفيلك؟ ‫ أجاب شاجي بثبات: ‫ - لا ‫

ملتزم بتكرار نفس الأسئلة كل يوم دون تغيير: ‫ - هل يُرضيك راتبك؟ ‫ فكَّر شاجي قليلًا ثم قال: ‫ - إنه يكفيني ‫ شعر السائل بمراوغته في الإجابة ولكنها على الأقل تحسنت وأصبحت غير عدوانية، فتابع: ‫ - ما هو آخر ما حدث

عاش خمس سنوات في كفالة سيده الخليجي، عمل حارسًا للبيت وسائقًا وخادمًا يفعل أي شيء يُطلب منه دون مقابل يُذكر سوى غرفة للنوم ولقمة في الظهر، أمَّا المال فلم يمسكه بيده سوى أول ثلاثة أشهر منذ قدومه للبلاد،

جلس شاجي، العامل الباكستاني، الذي يبلغ من العمر الخامسة والعشرين أمام الشاشة الموضوعة في غرفته يشاهد ما تعرضه وتتساقط دموعه مع حركة الشاشة التي كانت تعرض طفلًا في السادسة من عمره حافي القدمين، مُمزق الملابس.

فلنلغي نظام الكفالة.

‫ - لقد ألغيناه بالفعل.

‫ - ولكن جميعنا يعلم أنه مُلغى اسمًا فقط ولكن واقعًا لا.

‫ - فلنمنح مميزات الجنسية لبعضهم من الشخصيات المؤثرة في البلاد.

‫ - ولكن أغلب الحوادث تقع ضد العمالة الفقيرة.

أتى مُطمئنًا ثم فجأة شعر بالقلق، رُبَّما شعر بقلقي، رُبَّما اكتشف وحدته وغربته بيننا، القطط تشبع فتأمن وتألف، أمَّا الإنسان فلا يأمن إلا عندما يأنس، لا يأمن إلا بالحنان ‫ ثم، أين ذهب صاحبه؟ ‫ انتبهتُ من أفكاري حينما أتى فتي...

صديقك يُجيد لعبة الصمود، لقد تناسيت يا خالد وأكملتُ طريقي دونك، حتى ما حلمناه ومشاريعنا التي خططنا لها معًا بدأت بتنفيذها وحدي، لقد تناسيت حتى نسيت.

هل دار بخلدك يومًا أنَّ ما ضاع بيننا في الوطن سنجمع شتاته في الغربة.

لحظات الوداع لا تمثل النهايات دائمًا، بل قد تكون بداية لآلام أخرى أو حيوات مختلفة تمامًا،

ففي بعض الأوقات يُحقق المُتمرس والخائف نفس النتائج، فالخوف سلاح ناجع في كثير من الأحيان.

ثلاثة أعوام حُرمت من حضن أمها، بالإضافة إلى استمرار وجود الوباء كانت كافية لتشعر أمل بالرعب من حدوث أي شيء لها أو لأمها دون أن تتمكن من مقابلتها ولمسها وتقبيل يدها واحتضانها بقوة ‫ أنهت التسوق مع زوجها وركبا السيارة.

خرجتْ أمل إلى السوق بعد رفع الحظر ووجدتْ الجميع لا يزال يرتدي كمامات الأنف، عاودتها ذكريات المرة الأولى التي خرجت فيها خلال الحظر المنزلي، وذلك في الساعة المُحددة للخروج لشراء الاحتياجات الغذائية والدوائية، وقتها لم تصدق أنها رأت الشمس بعينيها .

ولكن لم أكُن يومًا الابن الذي تمنيت، لم يكُن بيدي، هي الظروف، بل كان، كان من الممكن ألا أضيع نقودك في مشروع فاشل، أن أجتهد أكثر وأبحث عن عمل، أي عمل وأبقى جانبك. ‫ لا كانت الأبواب مغلقة أمامي، لم

‫ - ماذا تقول يا أبي؟ أمتأكد أنت ممَّا تقول؟ ‫ - نعم يا حبيبتي لقد فزنا القضية ‫ تحشرج صوتها وانهمرت دموعها فرحًا بغير تصديق، وأخذت تردد في خفوت: ‫ - الحمد لله، الحمد لله ‫ سألها أبوها: ‫ ...

سأعود...سأعود

تقرر تعيين الخمسة والسبعين الأوائل من الدفعة الأساسية وعدم تعيين أيًّا من أوائل دفعة التأجيل، واتضح سبب ذلك القرار فيما بعد، أنَّ الرقم الخامس والسبعين هو ابن أحد أساتذة الكلية ولا يصح ألا يرث الأستاذية عن أبيه ‫ شعرتْ حينها كأن زرع السنين كله قد تلف.

حملها بطفلها الأخير وزيارة أم زوجها لهم أجلت مشاريعها.

‫ تأخرت زيارتهم لوطنهم لسنوات لعدم توافر تكلفة إجازتهم من تأشيرات وتذاكر طيران لهم جميعًا وغيرها من المصاريف، فبعث الزوج لأمه أن تأتي هي لزيارتهم، كانت سيدة طاعنة في العمر ومريضة،

اتشغلنا في موت أمك يا أختي ونسيناكي، حقك عليَّ يا أختي

‫ - أمي اندفنت؟ ‫

- ستُدفن الفجر ‫ قالت أمل بصوت آلي: ‫ - طيارتي ميعادها توصل العصر ‫

- تنوري بلدك يا أختي

‫ - أنا مش جايه، اللي كنت جايلها ماتت وأنا منسية، أنا مش جاية، أنا منسية.

نعم أنا منكم، ممَّن احتاروا في كينونتهم، ممَّن تاهوا وسط هذا الخراب، ممَّن علقوا بين ظُلمه وظلامه، بين عِليته وتوافهه، ممَّن استقروا في الطيف الرمادي وسط سوداء الوطن