في الشعر الجاهلي > مراجعات كتاب في الشعر الجاهلي > مراجعة أحمد المغازي

في الشعر الجاهلي - طه حسين
تحميل الكتاب

في الشعر الجاهلي

تأليف (تأليف) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

إقتنيت هذا الكتاب من سنين، و تأخرت فى قراءته حتى إستفزتنى هذه الجملة فى التعريف بطه حسين على أبجد إثر إختياره ككاتب اليوم ذات مرة قريبة (في عام 1926 ألف طه حسين كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلي" وعمل فيه بمبدأ ديكارت وخلص في استنتاجاته وتحليلاته أن الشعر الجاهلي منحول، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب للشعراء الجاهليين وزاد طه حسين فنال من الإسلام والقرآن.)

تعجبت من صيغة القطع بأن طه حسين (نال من الإسلام و القرآن) و فكرت بأن أكتب لفريق أبجد منتقدا إقرارهم لهذه التهمة التى تخرج صاحبها من الملة بهذه البساطة، إلا أننى قررت أن أقرأ الكتاب أولا لأكون ملما بحقيقة ما قيل فيه قبل التورط فى الدفاع عن صاحبه، و الآن بعد الإنتهاء منه فالنتيجة محيرة جدا بالنسبة لى للأسباب التالية:

- الكتاب عبارة عن بحث علمى موجه للمتخصصين فى الأساس، يناقش فرضية إنتحال الشعر بعد الإسلام و نسبته لشعراء فى الجاهلية لأسباب عددها الكاتب، منها ماهو سياسى و ما هو دينى و ما هو ناتج عن تعصبات قبلية و شعوبية، و دلل على إمكانية حدوث ذلك بأدلة منها القوى و المقنع (كحوادث إنتحال شعر ثبتت تاريخيا)، و منها ما هو محض تخمين و إفتراض بناء على المصلحة المترتبة على نسبة هذا الشعر لقبيلة معينة فى حقبة سابقة مثلا، أو بناء على قوة الشعر و ضعفه و هى مسألة نسبية لا يمكن القفز إلى نتائج حاسمة بناء عليها فى رأيى.

-كل ما سبق جميل و لا غبار عليه، و فيه جهد يحمد للكاتب فى إثارة قضية مسكوت عنها، بمنهج بحث علمى عقلانى، حتى لو لم أقتنع بنتائجه كلية -ألا و هى أن الشعر الجاهلى منحول غالبيته كما يخلص طه حسين- إلا أنها تفتح بابا للنقاش و الجدل بين المتخصصين لمراجعة تراثنا من الشعر القديم و تنقيته مما قد يكون أدخل عليه لغرض أو لآخر.

- غير المنطقى أو المبرر بالنسبة لى هى هذه القنبلة التى فجرها طه حسين فى سطور قليلة العدد، خطيرة المعنى والدلالة، بلا داع حقيقى فى البحث، و لا قرينة داعمة لها، اللهم إلا شكا و إفتراضا لا يقيم نظرية و لا يهدم تاريخا، حتى من وجهة النظر العلمية البحتة، بغض النظر عن الثابت فى النص الدينى المقدس!

القنبلة هنا المقصود بها بالطبع إفتراض طه حسين أن قصة سيدنا إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام، و هجرتهما إلى مكة و بنائهما للكعبة وإنحدار العرب من نسلهما هى محض أسطورة! و ما دليله على هذا الإفتراض الخطبر المنافى للتاريخ و النصوص المقدسة؟ أن هذه القصة مفيدة سياسيا لإيجاد رابطة تاريخية بين العرب و اليهود كونهما أبناء عمومة فى الأساس و هو ما إستفادت منه قريش فى الجاهلية، و بالتالى وجود هذة الرابطة بين الإسلام و اليهودية و هو ما كان مفيدا للدعوة الإسلامية فى بدايتها!

فقط هذه هى كل الأدلة التى بنى عليها طه حسين إفتراضه الخطير، مجرد توافر عنصر الإستفادة من القصة التاريخية يكفى بالنسبة له لنفيها! و لا أدرى أى منهج علمى هذا الذى يقبل بهدم نظرية و بناء أخرى من العدم، إعتمادا على مجرد كونها مفيدة لطرف ما فى ظرف ما من وجهة نظر الباحث!!

-بخلاف الإستسهال الشديد من طه حسين كباحث فى هذه النقطة، إلا أن اللغز الأكبر بالنسبة لى فى هذه الفرضية أنها لا تخرج من رجل مسلم مؤمن بالقرآن الذى يؤكد هذه القصة التاريخية التى إعتبرها هو "أسطورة"، و هو مايصب فى خانة إتهامه بالخروج من الملة و عمله على النيل من الإسلام و القرآن كما ذكر فى البداية، إلا أن طه حسين كما وجدته فى باقى الكتاب مسلم مؤمن بالله و القرآن شديد الإعتزاز به و الدفاع عنه فى وجه المستشرقين و غيرهم ممن يحاولون النيل منه، و هو مايتجلى فى تفنيده لحجة المستشرق كليمان هوار فى الإدعاء بأن سيدنا محمدا عليه صلوات الله و سلامه إستقى بعضا من القرآن من شعر الجاهلى أمية بن أبى الصلت، الذى كان يذكر بعضا من أخبار الأمم السابقة فى شعره، و بغض النظر عن الرد المنطقى لطه حسين على إدعاءات هذا المستشرق و تفنيدها بالحجج، فإن هناك جملة إستوقفتنى فى هذا الرد وهى "فإنى لا أستطيع أن أقرأ مثل هذا الفصل الذى أشرت إليه آنفا دون أن أعجب كيف يتورط العلماء أحيانا فى مواقف لا صلة بينها و بين العلم"،و وددت لو أقول له المثل!

-و مما يؤكد إيمان طه حسين بالقرآن و إقتناعه التام بصحته -و هو ما يتناقض مع موقفه المذكور أعلاه!- مايلى من مقتطفات من الكتاب:

"و سينتهى بنا هذا البحث إلى نتيجة غريبة، و هى أنه لا ينبغى أن يستشهد بهذا الشعر على تفسير القرآن وتأويل الحديث، و إنما ينبغى أن يستشهد بالقرآن و الحديث على تفسير هذا الشعر و تأويله"

"فإذا أردت أن أدرس الحياة الجاهلية فلست أسلك إليها طريق إمرىء القيس و النابغة و الأعشى و زهير، و إنما أسلك إليها طريقا أخرى، و أدرسها فى نص لا سبيل إلى الشك فى صحته، أدرسها فى نص القرآن. فالقرآن أصدق مرآة للعصر الجاهلى. و نص القرآن ثابت لا سبيل إلى الشك فيه."

"و إنما نعيد شيئا واحدا و هو أننا نعتقد أنه إذا كان هناك نص عربى لا تقبل لغته شكا و لا ريبا و هو لذلك أوثق مصدر للغة العربية فهو القرآن"

"و ليس بين أنصار القديم أنفسهم من يستطيع أن ينازع أن المسلمين قد إحتاطوا أشد الإحتياط فى رواية القرآن و كتابته و درسه و تفسيره حتى أصبح أصدق نص عربى قديم بمكن الإعتماد عليه فى تدوين اللغة العربية و فهمها"

"فأيهما أشد إكبارا للقرآن و إجلالا له و تقديسا لنصوصه و إيمانا بعربيته: ذلك الذى يراه وحده النص الصحيح الصادق الذى يستدل بعربيته على تلك العربية المشكوك فيها، أم ذلك الذى يستدل بعربية القرآن بشعر كان يرويه و ينتحله فى غير إحتياط و لا تحفط قوم كان منهم الكذاب و منهم الفاسق و منهم المأجور و منهم صاحب اللهو و العبث؟"

-أما كيف يكون صاحب هذا الكلام هو نفسه الذى يقول بأن إحدى قصص القرآن الكريم هى مجرد أسطورة وضعت لأسباب سياسية -وبلا أى دليل- فهذا يظل هو لغز طه جسين الذى لم يتمكن هذا الكتاب من حله لى للأسف!

Facebook Twitter Link .
11 يوافقون
11 تعليقات