حديث القمر > مراجعات كتاب حديث القمر > مراجعة Ahmad Ashkaibi

حديث القمر - مصطفى صادق الرافعي
تحميل الكتاب مجّانًا

حديث القمر

تأليف (تأليف) 4.4
تحميل الكتاب مجّانًا
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

"وكم ناجاك أيها القمر من عاشق قبلي, فإنك ما انفصلت عن الأرض إلا ليجعل الله منك أفقا لآمال الإنسانية الجميلة, بل أنا لا أحسب عاشقا من لا يناجيك ومن لا يأتي بدموعه وأحزانه وهواجسه وآماله فينطرح في هذه اللجة التي ترسلها من شعاعك, وينغمس فيها ساعة ثم يخرج وكأنه جسم من نور يخفق في جنبه قلب كالنجم ويترك في نورك بقايا ظلمات نفسه الحزينة تراها السماء فترى بها كيف يكون ظل هذا القلب الإنساني المتألم؛ ثم تجمع أنت هذه البقايا وتدرجها في قطعة من شفق الفجر تشابه الدم الذي كانت تغتدي به من الحياة وتدع الزهرة الحسناء ترسل عليها نظرة من نظراتها الفتانة لتعرف أي ثمن من الأنفس والقلوب تشترى به في الأرض ابتسامة كابتسانتها في السماء."

هذه نبذة من كتاب الرافعي – حديث القمر..

الرافعي مدرسة في الأدب.. ومن فاتته مدرسة الرافعي فاته خير كثير...ولن تجد أديبا معاصرا يكتب في رقي وسمو أدب الرافعي أبدا... فهو أديب ناقد لغوي فيلسوف شاعر.... وكدت أن أقول "ساحر" أيضا.. ففي كلماته أثر ساحر يأخذك إلى عالم آخر لم تذهب إليه قبلا... و(إن من البيان لسحرا)..

لن أتكلم عن أسلوب الرافعي فليس مثلي من ينقده... وأدب الرافعي شاهد عليه وهو ليس بحاجة إلى مدح وإطراء...لكنني سأتكلم عن الرافعي والقمر..

يقول الرافعي:

"أيها القمر الذي لا يزال يشهد كل عاشقين آدم وحواء, لا يزال يبعث في كل دوعة من دموع الحب روحا نورانية من شعاعه تبث فيه أنفاسا من حياة الأحلام, وتجعل العاشق يرى كأن هذه الأحلام اللذة المؤلمة تنصب من أجفانه المغرورقة وهو يقظان لأن حبيبته الحسناء تبخل بها عليه وإن كانت أوهاما."

إذا هذا هو السبب الذي يجعل الرافعي يناجي القمر... فالقمر شاهد على كل حكايات الحب.. وكل آهات العشاق ومناجات الساهرين تحت ضوئه...

هناك عدة أمور يشترك بها الرافعي مع القمر:

أولها وأهما هي الوحدة.. فالرافعي عاش معطم وقته وحيدا بين كتبه وأدبه.. وثانيها هي الرقة والجمال.. وما أرى الوحدة زادتهما إلا رقة وجمالا... ثم إن الرافعي حزين .. وكذلك القمر.. هو حزين.. ولا أحد يمكنه القول بأن القمر سعيد... بل هو حزين منذ الأزل... لربما كان كذلك ليواسي غيره في كآبتهم وعزلتهم...ويشاطرهم أحزانهم ويشاركهم دموعهم...

لكن القمر أيضا كاتم جيد للأسرار.. فلا يفشي سرا ولا يفضح عاشقا... وهذا كله هو سر الصحبة القوية بين الرافعي والقمر...

في حديث القمر يسر الرفعي للقمر همومه والقضايا التي تشغل باله.. سواء كانت في الحب أو غيره؛ فهو يتحدث إليه عن الطبيعة وجمالها.. وعن فلسفة الظلم والاستعباد والفقر والغنى..ثم ينتقل إلى الحب والجمال والبكاء والدموع.. وله في هذه المواضيع فلسفة رائعة لا يجاريه فيها أحد..

أقتبس لكم بعض فلسفته في الحب:

"هكذا كتب على الحب أنه من تولاه فإنه يدعه على حال كأنه فيها روح لا جسم له, فمهما يصب من لذة أو ألم فإنه يتحول معه إلى اللذة والألم جميعا فيكون ألما لذيذا؛ ومن أجل ذلك خص المحبون من بين الناس بكثرة الشكوى, لأنهم يستلذون آلامها والعاشق الذي لا يستطيع أن ينفس من شكاته أو لا يجد من يستريح إلى بثه لاعج الشكوى الذي برح به إنما هو في الحقيقة المثال الإنساني الشاذ الذي يمكن أن يتعرض من ه العلماء معاني الجنون مع بقاء عقله, فهو المجنون العاقل."

ولا أجد أبرع منه في الوصف... وأقتبس لكم وصفه لفم محبوبته:

"ودون ذلك فم أصغر من فم الحقيقة, كأن في شفتيه الرقيقتين الحمراوين روح الدم؛ ولقد استدارتا على ثغر هو الكأس التي يسكب فيها حنين الروح ممزوجا بلهفة القلب معطرا بابتسامات العواطف الشريفة التي أزهرت في ربيع الغرام, ويرشف كل ذلك في قبلة لا يراها العاشق السعيد إلا روحا من الحب يؤتمن عليها ضميره الشريف."

كم كان الرافعي رحمه الله رقيقا حتى فاض قلمه عذوبة وجمالا.. وكم كان وحيدا حتى فاضت أساريره هموما وأحزانا... وكم كان قلبه جميلا حتى ندت عن قلمه أجمل الكلمات فأحالت ظلمة الليل سحرا وجمالا...رحمك الله يا رافعي لم تجد غير القمر لتشكي له همومك.. لم تجد مثله منصتا ولا مستمعا...

الكتاب يقع في 125 صفحة .. لكنه لا يقرأ كغيره من الكتب... فهو يفرض عليك جوا معينا من القراءة.. وستجد نفسك تقرأ العبارات مرة تلو المرة حتى تتشرب معناها ويستقر في نفسك أثرها..

حديث القمر... هو حديث الروح للروح... حديث تشف فيه النفس عن بشريتها وتنطوي تحت ظلال الحب والجمال..

Facebook Twitter Link .
6 يوافقون
اضف تعليق