وأنا أقرأ هذه القصة ، كان أبيات ( توفيق زيّاد ) يتردد صداها فى أذنى ، والتى كان يقول فيها :
أنا ابنك خلفتنى ها هنا المأساة
ععنقاً تحت سكين ، أعيش على حفيف الشوق
فى غابات زيتونى ، وآكل حائط الفولاذ
أشرب ريح تشرين ، وأدمى وجه مغتصبى
وإن كسر الردى ظهرى ، وضعت مكانه صوّانة
من صخر حطين
فى كل مرة أقرأ فيها لغسان أشعر كأنى أعرف فلسطين لأول مرة ، كأنه يريد بذلك أن يذكرنا فى كل عمل له بخيبتنا تجاه القضية ، ويعيرنا بفشلنا فى أبسط حقوقها وهو حق معرفتنا بها معرفة تؤكد لها أننا لا زالت معنا ، ولا زلنا معها .
القصة محاولة من غسان كنفانى فى رسم لوحته الإبداعية عن نضال الشعب الفلسطينى ، والتى تأتى دائماً ممتزجة بما تحمله ذاكرته من ذكريات عن المخيمات وأهلها والتهجير ، كأنه يريد بذلك أن يقول أن الفلسطينى أبداً لا ينفك عن ذاكرته ، كان هذا الذاكرة هى الممر الموصل إلى حيث يدرك ذاته ، والتى بدونها سيصير تائهاً حائراً ، وتصير هويته طىّ النسيان .
لذا جاءت القصة القصيرة هذه كأنها فصول لرواية كبيرة لم تكتمل بعد ولن تكتمل أبداً ، ففيها ألقى بك غسان وسط علاقات متشابكة فكانت محاولة فى التعرف على الطريق الذى منه تبدأ قبل أن تبدأ .
غسان هنا يضع وصفاً لشعاع وقطب النضال الفلسطينى وهى الأم الفلسطينية ، هذه التى تحملت كثيراً ، كأن غسان ضاق بالعبئ الذى أثقل كاهله فأراد أن يحملنا بعضاً منه ، عندما كان يرى نساء المخيم وهم يودعون أبنائهم الفدائيين ، ويكونون على أشد الشوق لهم ويتلهفون لاستجداء أى أخبار عنهم .
" أم سعد " هى إسقاط واستشهاد حى على عظمة الأم الفلسطينية ، تلك الأم التى تحلمت لؤي البعد عن ابنها سعد الذى ذهب ليلتحق بالفدائيين ،لكن رغم ذلك كانت فخورة بنفسها ، فأى شرف أن تقدم الأم الصغرى ابنها للأم الكبرى فلسطين .
ما زالت كلمات " أبو سعد " التى قالها لجاره أبو سعيد ، والذى أتى ابنه من عند الفدائيين يحمل مرتينة يفاخر بها بين أهل الحى ..
حينها التفت إليه " أبو سعد " مشيراً إلى " أم سعد " قائلاً :
" هذه الأم تلد الأولاد ، فيصروا فدائيين ، هى تخلف ، وفلسطين تأخذ "