متعة القراءة > مراجعات كتاب متعة القراءة > مراجعة Youssef Sikou

متعة القراءة - دانيال بناك, يوسف الحمادة
تحميل الكتاب

متعة القراءة

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

سرد الحكايات للأطفال قبل النوم. في هذا الفعل يكمن أصل نشأة حب القراءة. و ما لم نواصل هذا الفعل إلى المدى الذي يصبح فيه الطفل قادرا على انتزاع الحكاية من بين أيدينا و قلب الأدوار فيحكي لنا نحن البالغين حتى نستسلم للنوم، ما لم يبلغ الأمر هذا المدى فلا مبرر لاحتجاجنا ضد ضعف تطور القدرة على القراءة عند الاطفال، و الحال كذلك ضد امتناع المراهقين عنها. لا قيمة لمحاولة تبرئة الذات من مسؤولية هذا العزوف عن القراءة و من ثم محاولة تفسيره بنمط الحياة الحديث أو بالتلفاز أو بالألعاب الرقمية.

داخل فعل القراءة يكمن مصدر عظيم من مصادر الدهشة التي تجتاح كيان الطفل عند تمكنه من كتابة أولى كلماته، حيث أنه يكتشف تحول مجموعة من الرموز إلى أشخاص وإلى حضور لتجارب حسية ماضية. يشبه هذا الفعل ما يقوم به الخيميائي الذي يحول أحجارا صماء إلى معادن نفيسة يخبرنا بريقها برفاعة قيمتها.

لا تنفع مقايضة القراءة بأي شيء آخر، القراءة فعل مجاني. لا يكلف فاعله شيئا و لا يصلح ليكون مقابلا لشيء آخر. إن متعة القراءة تقع خارج نطاق الحديث عن كل منفعة أو استعمالية بإطلاق. هنا تظهر حميميتها القصوى بالنسبة للكائن القارئ.

__________

الإنسان؟ ما هو؟ لابد أن بإمكاننا سلوك مئات أو آلاف المسارات التي سنحاول عبرها سبر غور هذا الكائن الغامض، لكننا و أيا ما كان المسار الذي سلكناه فإننا لابد أن ننتهي في آخره إلى حقيقة ما يمكن التعبير عنها هكذا: "قصة منبثقة عن حامل عضوي".

ماذا؟ نعم، ليس هذا الكائن في النهاية إلا مادة وقد شرعت في التحول إلى إله. هنا تظهر منطقة يلتقي في مساحتها كل من الكائن البشري و الكتاب، ما دام هذا الكائن هو الآخر ليس إلا "قصة منبثقة من حامل عضوي".

______

عقيدة القراء: يجب أن تقرؤوا! لابد أن تقرؤوا! طبعا، أن تقرؤوا ما نختاره لكم!

ما الذي يقع للطالب، أو للقارئ بعامة، إذا وقعت إحدى قدميه بين كماشتي هذه المصيدة؟ أي مصير فظيع هو ذاك الذي يواجه روح القارئ كما يواجه روح الكتاب؟ ما أفظعه من ضياع، ما أفظعه من ارتكاس!

يحدث انفصال تام بين مستوى وجود الكتاب و مستوى وجود الشخص القارئ. تغدو العلاقة، في أحسن الأحوال، بين القارئ و الكتاب علاقة شبه عمودية، أو عمودية في أسوء الحالات حيث يصبح الكتاب كائنا سماويا جديرا بالتقديس و التوقير.

إن جوهر الدعوة إلى القراءة ليس دعوة إلى تبنى عقيدة ما بقدرما هو دعوة إلى التخلي عن كل عقيدة إزاء الكتب. هي دعوة إلى القراءة فقط بما هي كذلك.

بيرروس، ذلك الاستاذ الذي استغنى عن تدريس المؤلفات لطلبته الجامعيين، و اكتفى بأن يقرأ لهم هذه المؤلفات بصوت مرتفع و بإلقاء رائع يتضمن كل ما يستلزمه ولوج عوالم هذه المؤلفات و الإنصات إلى فحواها و أصوات كتابها، كأنه ضوء كشاف ينير مشاهد الرواية و شخصياتها التي تقبع منتظرة في الظلام الدامس للحروف. فلم تكن النتيجة إلا هجوم هؤلاء الطلبة على المكتبات العامة و شروعم في الغوص داخل غابات الأدب المظلمة دونما خوف من الضياع، بما أن كل المتعة تكمن في هذا الضياع، حيث لا تؤدي الدروب إلا إلى دروب أخرى و لا تفتح المؤلفات أبوابها إلا للمثول أمام أبواب و مؤلفات أخرى؛ حيث لا تؤدي المعرفة إلا إلى إدراك مدى عمق و هول اللامعرفة.

لكي نحكي قصة رواية ما، يكفي في بعض الأحيان ذكر البداية و النهاية دونما حاجة إلى أكثر من ذلك. بل إن ما نحكيه كلما كان غامضا -غير أنه من الضروري أن يكون واضح الحدود- إلا و ازداد فضول الشخص الذي يسمع بهذه القصة أول مرة، أي نمو قابليته للقراءة.

مع تواتر القراءة الحرة و الشغوفة يبدأ القارئ في تنمية قدراته التحليلية و النقدية، بشكل يجنبه تجرع مرارة الجهد المبذول في القراءة التحليلية و النقدية، و هو الأمر الذي يحدث في الحالة العادية حينما يواجه الشخص بمطلب التحليل و النقد و هو لم ينم بعد قابليته للإستمتاع بالقراءة. إذا حرص القارئ على رعاية شغفه، يغدو تعميق القراءة تعميقا و تكثيفا لمتعة لا تنفك تتجدد و تنتعش.

_______

كان هذا الكتاب أحد أفضل النصوص التي إلتقيتها، و بالمناسبة فقد كان اللقاء صدفة، لكنها كانت من أجمل الصدف في حياتي لحد الآن. قرأته في يوم واحد و بالضبط يوم ٥ أبريل ٢٠٢٠.

يثير هذا الكتاب الانتباه إلى إشكالية قديمة جدا لكنها لازالت راهنية رغم ذلك، هي إشكالية الفكر و السلطة، الفكر بكل مستوياته ابتداء من قدرات الذهن و انتهاءا بالإبداع.

إن الفكر لا يجد الظروف المواتية لاشتغاله إلا خارج الحقول الكهرومغناطيسية للسلطة. كل شكل جديد للسلطة لا يظهر إلا ليعلن موت فوج من خلايا الدماغ، ليعلن تيبس قطعة من جسد العقل و من ثم تفتتها؛ كل سلطة لا تعلن عن نفسها إلا كما يفعل الجدري. إنها وباء، بل أشد الأوبئة التي تهدد النمو الروحي للحيوان البشري.

عندما تكتسح السلطة المنطقة التي يأتي إليها هذا الحيوان بحثا عن المعنى، فإنها لا تعمل بذلك إلا على تدجين كل وافد و على تسميم الثروات التي تحضنها أحشاء كل من: هذه المنطقة من الوجود و تلك المساحة من الكينونة.

السلطة لا تثير إلا عوامل ارتكاس الكائن، لا تتردد في غرز أنيابها في لحمه و امتصاص دمه حتى القطرة الأخيرة. إنها لا تعيش إلا على دماء الحيوان البشري. إنها طفيلية!

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق