موتٌ صغير > مراجعات رواية موتٌ صغير > مراجعة إبراهيم عادل

موتٌ صغير - محمد حسن علوان
تحميل الكتاب

موتٌ صغير

تأليف (تأليف) 4.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

يترك «محمد حسن علوان» الروائي السعودي مضماره الذي عُرف به في كتابة الروايات الرومانسية أو تلك التي تدور حول علاقة الرجل بالمرأة في أربع روايات سابقة، لينتقل في روايته الخامسة «موتٌ صغير» إلى الرواية التاريخية التي تعتمد على سيرة أحد أئمة الحب والتصوف الكبار هو الشيخ «محيي الدين ابن عربي» الذي حفظ الناس مقولته «أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني». وعلى الرغم من أن «الحب» دينه، و«التصوف» طريقه، إلا أن «علوان» آثر أن ينقلنا إلى جانبٍ آخر في حياة ذلك الإمام وهو يحكي سيرته.

قامت الرواية على مستويين سرديين الأول يحكي تاريخ انتقال (أوراق/مخطوطة) تحكي سيرة ابن عربي منذ عام 610هـ/1212م وحتى وصولها بين أيدينا عام 1433هـ/2012م والتي تمر بأيام عصيبة في التاريخ الإسلامي، وتشهد ويشهد حاملوها الكثير من الحروب والصراعات والابتلاءات عبر ذلك التاريخ الممتد. أما المستوى الآخر فتأتي فيه سيرة ابن عربي منذ ميلاده وحتى وفاته وما مر به هو شخصيًا من صعاب وابتلاءات وصنوف المحن والسجن ورحلته الطويلة من غرب البلاد (في الأندلس حيث ولادته وشبابه) إلى شرقها (دمشق) مرورًا بالقاهرة ومكة وغيرها من حواضر العالم الإسلامي للبحث عن «أوتاده» الأربعة، حتى وافته المنية.

ولحسن الحظ فإن سيرة ابن عربي وحياته ليست صعبة التوثيق أو البحث كسير غيره من العلماء والمتصوفة، بل لقد كتب جزءًا كبيرًا منها بنفسه في كتابه الأشهر «الفتوحات المكيّة»، أو فيما جمعه المستشرقون والباحثون من سيرته، ولعل هذا الأمر يكون ذا حدين فهو من جهةٍ ييسّر على «علوان» مهمة كتابة رواية على لسان ابن عربي، بل ويجعل الأمر يبدو كما لو أنه يسردها بتفاصيلها بالفعل، ومن جهةٍ أخرى يجعل مهمته شاقة في كتابة رواية تأخذ من المصادر التاريخية موضوعها دون أن ينتقص ذلك من أدبيتها، أو يحولها إلى وثيقة تاريخية بلا روح. حالف التوفيق «علوان» إلى حدٍ بعيد، فاستطاع أن يستوعب ويهضم سيرة الشيخ الأكبر ومسيرته تمامًا، واختار لذلك أن تكون الرواية كلها بضمير المتكلم، وكأن «ابن عربي» يحكي سيرته بنفسه.

وعلى الرغم من امتلاء حياة الشيخ المتصوّف بشؤون كثيرة تتعلق بتفكير المتصوفين، وآراء ابن عربي وأفكاره، بشكل خاص تلك التي جرّت عليه المشكلات وألّبت عليه الفقهاء في كل مكانٍ بل وقادته إلى السجن في القاهرة في رحلة من رحلاته، من جهة، وما يحتوي عليه تراث ابن عربي المنقول إلينا كاملاً من كلمات وأقوال مأثورة (اقتصر ورود بعضها على أوائل فصول السيرة فحسب) وما تحويه مؤلفاته من أفكارٍ وآراءٍ في علاقة المرء بربه وبالعالم وما إلى ذلك، إلا أن ذلك كله لم يشغل «علوان» كثيرًا في سيرة ابن عربي، بل على العكس تمامًا أراد أن ينقل لنا السيرة الإنسانية لشيخ المتصوفين وإمامهم الأكبر، تلك السيرة التي حوت الكثير من الإخفاقات والمحاولات والسعي ومجاهدة النفس للوصول إلى ما يريد، في عصرٍ امتلأ بالصراعات والحروب والمشاكل السياسية التي مزّقت أوصال العالم الإسلامي وحيّرت ذوي الألباب.

محطّاتٌ عديدة في حياة ابن عربي تتغيّر فيها نفسه، وينتقل فيها بين حالات المؤمن كلها، تتملّكه الحيرة حينًا ويخضع قلبه ويرضى أحيانًا بما أفاء الله عليه من نعمه، وينتقل من مكانٍ لآخر بحثًا عن «الوتد» الذي لا يستقيم قلبه و«ولايته» إلا به. وقد ذهب المتصوفة إلى تقسيم مراتب الولاية عندهم فمنهم من قالوا إنهم يتقسمون إلى «القطب» أو«الغوث» وهو أكبر الأولياء جميعًا وهو واحد في كل زمان وتحته الأوتاد الأربعة وكل واحد منهم في ركن من أركان العالم يقوم به ويحفظه، لذلك كان لزامًا على ابن عربي حتى يحصل على مرتبة «الولاية» أن يصل إلى هؤلاء الأوتاد الأربعة، والذي نكتشف من خلال رحلته أنه لا يصل إليهم بسهولة، بل وأنهم قد يكونوا بجواره ولا يعرف أنهم أوتاده!

دارت الحياة بابن عربي واستقر به المقام أخيرًا في «مكة»، وهناك كتب كتابه الأهم والأشهر (الفتوحات المكية) وظن أن قلبه سيهدأ أخيرًا لمّا تعرّف على «نظام» ابنة شيخه «زاهر الأصفهاني» فأغرم بها، وكتب لها وعنها ديوانه الأشهر «ترجمان الأشواق» الذي بث فيه أكثر شعر الغزل المنسوب له، وأراد أن يتزوجها، ولكنه فوجئ برفضها، ليكتشف فيما بعد أنها كانت وتدًا من أوتاده ولهذا لم يكن ممكنًا أن تتزوجه!

ولعل أكثر محطات حياة ابن عربي دراميةً تلك التي انتهت بها حياته، والتي تنتهي بها «أسفار» الرواية، حيث نجد الإمام الكبير طاعنًا في السن يعمل أجيرًا في بستان، باحثُا عن قوت يومه، بعد أن ضاقت به السبل ولم يجد بدًا من العمل حتى يموت!

.................................................

من مقالي على إضاءات

****

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق