مدن تأكل العشب > اقتباسات من رواية مدن تأكل العشب > اقتباس

انتظمت في العمل ومضت شهور طويلة أذهب وأعود كالميت فلا شيء يحرك بداخلي البهجة، فأعود ليلاً، أستأنس بمصاحبة القهوجي ياسين أبو شنب الذي يسكن في أول الحي، وعندما تمتد خطواتي لداخل الحارة تنبت مخاوفي فأظل أتربص بالأزقة وصور شتى من الاحتمالات تداهم مخيلتي، فأظل طوال الطريق أقرأ القرآن، وأستعيذ من كل مكروه.

كنت أحترز دائماً ألاّ أعبر من بعض الأزقة حيث تتطوح القامات وتدلق خدرها وهي تمسك بقوارير خمس خمسات. عند تلك الأزقة أسلم قدميّ للركض ولا أجيب أي صوت يناديني. كنت خائفاً أن تتعلق يد أحدهم بظهري. أدير المفتاح بباب البرندة وأغلقه، وأرتمي لاهثاً حتى إذا هدأ خوفي أتفقد ما حولي.

وفي كل ليلة أجد صحناً أعد بعناية وتنوعت أكلاته ألتهمه على عجل دون أن أفكر فيمن أعده، وأنام وأنا أستمع للراديو. وفي أحيان تهيجني أغنية عابرة فأنام ممسكاً بدموعي.

ومع توالي الأيام أصبحت عودتي من المقهى ومكوثي مستمعاً للراديو أنساً أطرب له وأظل للهزيع الأخير من الليل مترنماً بأغنيات تبثها إذاعة القاهرة.

مع الصباح الباكر تكون ثمة عينان تتربصان بي من خلف الشقوق الضيقة المنتشرة بالبرندة، فتطردان النوم من مخدعي لأنهض، وقبل أن أخرج لرؤيتها تكون قد اختفت

مشاركة من إبراهيم عادل ، من كتاب

مدن تأكل العشب

هذا الاقتباس من رواية