حينما تسخر منا الحياة و تتلذذ بالقيام بعكس ما نريد، و تعرض علينا خلاف ما نشتهي ، تحن قلوبنا لسماع حكاية تنسيها همهما و تسليها ،و ربما أيضا لتوقظ فينا رغبة في محاكاة ما حدث في الحكاية، و تحديدا تشبثنا بالأمل و إنتصارنا على كل المعوقات و حصولنا على النهاية ، فمن منا لا يريد النهاية السعيدة ؟ ! فحتى كلمة سعيدة التي تتبع كلمة النهاية في هذا المقام تجعل من النهاية نهاية للأحزان و الأتراح و بداية للمسرات و الأفراح !
و من الكتب التي التي تسرد لنا تلك النهاية الجميلة كتاب (ما لم يخبرني به أبي عن الحياة) للكاتب كريم الشاذلي ، ففيه نرى أن عددا من أساليب عيش الحياة بمتعة و بشغف ،و قد وضعت في قوالب تبدو ككبسولات الأدوية صغيرة و خفيفة و سهلة التناول ، و مع ذلك فهي مؤثرة للغاية و تساعد على التخفيف من الأوجاع ، و هي كبسولات نتناولها بعد أن تشبعنا الحياة بولائم من التحديات و الصعوبات ، صحيح ، أنها كبسولات طعمها مألوف فقد عهدنا أخذها منذ الصغر ، فالأزمات ليست بالجديدة علينا ، و لذلك كان أهالينا يمنحونا كبسولاتهم الحياتية عما تكبدوه من عناء ،و ما تغلبوا عليه من هم ، و يظل لهذه الكبسولات مفعول فعال و إن كبرنا ، و ربما نجد أنفسنا بحاجة لتناولها أكثر لشدة الضغوطات التي تمر بنا ، و إن لم نجد أحدا يقدمها لنا فعلينا البحث عنها ، و ما أجمل الحصول على وصفتها من صفحات كتاب !
بعض الجمل المذكورة في الكتاب قد تعطينا إحساس بإنها خصصت لتصف ما بنا من حكايات مكبوتة و لتحفزنا على النهوض من جديد من بعد الكبوات التي تلم بنا ، و أقوى الجمل و أشدها تأثيرا في الكتاب هي التي أتت لتذيل كل كبسولة حياتية ، فهذه الجمل تشبه إرتشافنا للماء من بعد تعاطينا لكل كبسولة فتكون فائدة الكبسولة أقوى، فتسري تركيبة الكبسولة و ما بها من محاولات تطبيب في النفوس المتعبة ، فالعقول تستنبط الأفكار الكلية من الكبسولة، أما الرشفات التي تليها فهي تجعلنا نهضم الفكرة الرئيسة، و تذيقنا أملا بإمكانية تطبيقها في حيواتنا ....
و الأفكار هنا فيها سلاسة و يسر في تنفيذها و لا تتسم بالتعقيد ، و تحويلها لأهداف قريبة المدى و بعيدة المدى تم عرضه بطريقة مباشرة و ربما شديدة المباشرة في بعض الأحيان ، فلا توجد فوقية في الطرح ، و الفكرة التي تتنقل بين الصفحات هي فكرة أن يخدم الإنسان نفسه بنفسه ، فالفرد عليه أن يملك الثقة بذاته و بقدرته على فرضها على الحياة ، فيحجز لذاته محلا و مكانا فيها بعزيمته و جهوده ،فمن الضروري ألا يرضى المر بالمرتبة الأخيرة و هو قادر على أن يوفر لنفسه إحدى المراتب العليا ، و ربما تكون لديه الإمكانية على إحراز الأولى منها !
و قد تمنيت لو أن الكاتب أكثر من التحدث عن خبراته الحياتية الخاصة به أكثر ، فهي مع قلتها في الكتاب تظهر لنا بأنها الأبرز ، فكبسولاته الذاتية تحوي على عفوية جذابة و لها قابلية على جلب إهتمام القراء أكثر ، فالكاتب عندما يعلن بأن قلبه مرض من قبل ،و بإنه عانى و إحتاج أن يبحث عن كبسولات حياتية تناسبه و تريحه و شرحه كيفية عثوره عليها و إكتشافه لها ، هي من العوامل التي تهم شريحة كبيرة من القراء.
كتاب (ما لم يخبرني به أبي عن الحياة) للكاتب كريم الشاذلي، يذكرنا بترتيب أوراق أولوياتنا لنعيش حيواتنا .