هل خطر في بالك ذات يوم , لو أن الآخرين لا يروننا,كيف كنا سنتصرّف؟
لو أن الفتاة التي تودّ تأمل جمالها لا تراك , هل ستتأملها .... أم ستكون أخلاقك قادرة على منعك من ذلك ؟
و لو أن صاحب المتجر لا يراك , و حتى زبائنه لا يرونك... هل ستسرق جهاز الكمبيوتر الذي حلمت به ؟
هل الأخلاق , قادرة وحدها على حمايتنا من الزلل و ارتكاب الآثام؟ ...... لكن كيف سنعرف ذلك و نحن لم نختبرها قط بمعزل عن شعورنا بالخوف من نظرات الناس ؟.....
(جوزيه ساراماغو) في روايته " العمى" يجرّد الإنسان من خوفه من الناس .... ليجعله في مقابل ضميره.. و ضميره وحده , فهل ينجح ضمير الإنسان في الوقوف بوجه غرائزه ؟.... تبحث الرواية في هذا السؤال ..
تدور أحداث الرواية حول حالة عمى يختلف عن العمى التقليدي , بل يختلف عن كل أمراض العيون التي أصابت البشرية من قبل , فهنا ما يراه الأعمى هو بياض مبهر بدلا ً من الظلام الدامس ... ,تبدأ حالات المرض بشكل فردي , ثم تبدأ العدوى بالانتشار فيتم جمع المصابين بهذا المرض ضمن مستشفى للأمراض العقلية ..و ذلك لاعتبارات أخلاقية من الحكومة , فهذا المكان يحمي المرضى و يحمي باقي الشعب على حد ٍ سواء....
تستمر الأحداث لتُريّ القارئ ماذا يفعل الأعمى في مجتمع يماثله , و ماذا تقعل القوى الكاملة أمام اللاقوى , ماذا يفعل السلاح في يد أعمى/مبصر أمام عميان ... و أحداث أخرى متلاحقة .... مخيفة و مبكية .... لكن النهاية جاءت مفاجئة و غريبة ... تليق بالرواية ككل ....
إن الحالة الحرجة التي وضعنا بها "ساراماغو" نحن معشر القراء لا نُحسد عليها , فلم يجعل لنا منفذ لنهرب من الاسئلة التي طرحها علينا في روايته ...و أهمّها : لو امتلكت القوة الوحيدة في مجتمع لا يملك منها شيئا ً , هل تحوّل نفسك إلى إله... أم تبقى بشرا ً ؟
أرى نفسي أدور حول النقطة نفسها في تقييمي للرواية , لأن السؤال بحدّ ذاته , و الحالة التي وضعت بها .. لا يمكن الفكاك منهما ... فأن تختفي مراقبة الناس لك , هذا يغير كل شيء .... و أنا أخاف أن نوضع في وضع ٍ كهذا , أخاف أن أواجه الإنسان الحقيقي داخلي أو داخل الآخرين ( و في الحالة الثانية الأمر أصعب )
أنصح بقراءة الرواية , لكل من يدعو إلى المدينة الفاضلة .... لكل من يتفائل بالإنسان تفاؤلا ً ساذجا ً خياليا ً, و أيضا ً لكل من يراه شرا ً مطلقا ً ....فليقرأها و ليخبرنا بعدها : أما زال الإنسان في نظره كما كان يراه ؟