المياه كلها بلون الغرق > مراجعات كتاب المياه كلها بلون الغرق > مراجعة أمل لذيذ

المياه كلها بلون الغرق - اميل سيوران, آدم فتحي
أبلغوني عند توفره

المياه كلها بلون الغرق

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.9
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

كتاب (المياه كلها بلون الغرق) للكاتب إميل سيوران ومن ترجمة آدم فتحي،فيه مقولات تلخص فلسفة سيوران حول الوجود والفن والأدب،وهذه المقولات هي قليلة الحروف ولكنها غنية المعاني،وكأنها منجم متواضع يحوي على معادن ثمينة مختبئة بعيدا عن الأنظار،ففي هذا الكتاب تجتمع صلابة الأفكار و جماليات الصياغة التصويرية على هيئة سلاسل قصيرة مصقولة بعناية للإفادة!

والمترجم لعب دورا هاما في الكتاب،فمنذ المقدمة يخبرنا مترجمنا وشاعرنا عن المكانة الجليلة لسيوران كمفكر وكأديب والصراعات التي واجهها،ومنها صراعات علنية مع التيارات الفكرية التي ناهضته أو نهاضها،وأيضا صراعات شخصية طوتها نفسه ولكن بعض منها تسرب إلى قلمه وفكره،فنتعرف أكثر على الرابط بين الحياة والموت في فكر سيوران ووجهه نظره حولهما،ونسترق بعض همهمات حيرته وبعض قهقهات تهكمه،ويحكي لنا المترجم عن ما أسماها بالإنسلاخات التي عاشها سيوران،ومفردة"إنسلاخ" توحي بالقسوة والخضوع والإمتثال إلى المصير،وهي تحولات كثيرة ليس فقط لإنها خمسة بل لإنها أيضا كانت عسيرة بالنسبة له،فمنها البعد العائلي و البعد عن الوطن و البعد عن لغة الوطن،هي أمور لعلها ما سبب إحساس الغربة لدى سيوران ورغبته في الإنزواء وتجنب الإعلام ،وشاعرية المترجم كانت فعالة ومؤثرة كذلك في الصفحات اللاحقة ومفيدة في نقل صورة جذابة كتبت بلغة أوروبية إلى اللغة العربية مع وجود الثراء الفني والفكري....

في فصل (ضمور الكلمة) ،إجتمعت سطور سيوران التي تتناول نقداً للأوضاع الأدبية والأضرار المترتبة على هذا التدهور،وسيوران كان جريئا للغاية بذكره أسماء الفنانين والأدباء الذين إنتقدهم،وهو كذلك قام في كتابه بذكر أسماء من أحب كلماتهم ولوحاتهم وأفكارهم،وكان ناقدا لاذعا للغاية ،فعلى سبيل المثال قال:"الفردوس:بسطة تخيلات وتوافه"،وعاب كثيرا ظاهرة إقتحام عالم الفن والأدب بغير موهبة،ولام من يهتمون بتنامي شهرتهم أكثر من جودة أعمالهم و من إزدهار أفكارهم،فالتسطيح الفكري كان يضايقه جدا ،وفي وسط هذا كله كان يمرر إسقاطات نقدية تجاه قامات أدبية وفكرية وأيضا توجهات فنية ومدارس كتابية معروفة،وكان يلمح إلى ذلك متلاعبا بالكلمات والأسماء لتنقل ما يريده أن يصل للقارئ،وفي فصل (لص الأغوار)،نرى تغزل سيوران بالألم وتباهيه بإمكانية ليس فقط التعايش معه فحسب بل و تحويله إلى محفز إبداع و إتقاد فكري،وهنا نجد تعريفات ساخرة أتى بها سيوران ومنها تعريفه للحياةو للسعادة وللملل وللتحليل النفسي،ومن ثم قام بشرح مفهوم "الحذلقة الماكرة" عنده وهو مستطرب للغاية،ووصف كيف تكون لدى رجال الدين و الغير حاصلين على عمل والمغلوب على أمرهم و المجتمع النسائي و من فقدوا عقولهم،وفي فصل (زمن وأنيميا)،تكلم سيوران بشجن كبير عن الموت وإرتباطه بالوقت و الكدر،هو قام برسم إحتضار روح الفكر و روح الجسد من الهموم وأيضا من الأمراض،وهنا قال عبارته الشهيرة التي غدت عنوان الكتاب وهي "المياة كلها بلون الغرق"،وفيها تلاحم صورة إلتصاق الحياة بالموت حتى مع تلاقي عنصر الماء بملامح الغرق،وفي فصل (غرب) خصص سيوران أحرفه لمتابعة وتمحيص الثقافة الأوروبية في زمنه،وبين أحوال فرنسا وروسيا وأسبانيا وألمانيا الفكرية والعقائدية،فالعلاقة بين الحركات الفكرية والاتجاهات الدينية كانت متأزمة في فترات و هذا كله أثر على الفن والأدب الأوروبي،وفي فصل(سيرك العزلة) يتفاخر سيوران برغبته في تجنب الشهرة التي عرض لنا تبعاتها بطرافة ساخطة،وتكلم عن الغربة وكأنها شيء طبيعي وعادي،وفي فصل (دين) نفس سيوران عن الأفكار التي تعتريه حول الدين والتدين،وكذلك باح بما هو أقرب للإبتهالات الروحية و التضرعات،وفي فصل (حيوية الحب) تكلم عن الحب كمفهوم رومنسي وجسدي و أيضا تطرق لموضوع الزواج ،وفي فصل (في الموسيقى) يستعرض سيوران هيامه بالموسيقى مع عروجه على بعض الإنتقادات الفنية،وفي فصل (دوار التاريخ) نقرأ جملة "الأحداث أورام الزمن"،وهي جملة فيها جرح غائر ينزف بوجع مكبوت،والجرح ليس شخصيا فحسب وإنما أيضا فيه ملمح إنساني،وفي الفصل الأخير(منابع الفراغ) تنفس كاتبنا الصعداء من بعد لحظات تأمله بما فيها من بسمة وحرقة وفكرة!

بالنسبة لي الكتاب راق لي جدا وتحديدا فكريا ولكن المشكلة التي قد تصادف القارئ الذي ليست لديه خلفية عن الأدب الأوروبي وأيضا الفن الغربي أنه سيضطر كثيرا للإعتماد على الهوامش التي تتبع كل فصل ليعرف ماهية المصطلحات ونبذات مبسطة عن الأعلام الفكرية،فبعض الصبر قد يؤتي بثمره إن قرأ تلك الهوامش ليستمتع بما أخفته بعض سطور الكاتب ...

كتاب (المياه كلها بلون الغرق) للكاتب إميل سيوران،يحرك مياة الفكر الراكدة حول أعجوبة الوجود لكي لا تغرق ونغرق معها!

Facebook Twitter Link .
5 يوافقون
2 تعليقات