لقيطة اسطنبول > مراجعات رواية لقيطة اسطنبول > مراجعة Sara Hussein

لقيطة اسطنبول - إليف  شافاق, خالد الجبيلي, محمد درويش
تحميل الكتاب

لقيطة اسطنبول

تأليف (تأليف) (ترجمة) (ترجمة) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

هذه رواية مليئة بالحزن والجمال.

في بداية قراءتك لهذه الرواية ستلاحظ كمية هائلة من التصرفات اللاعقلانية وغير المنطقية لذلك وجب عليهم كتابة عبارة " Madness in the air" على غلاف الرواية لتحذير القرّاء مما يمكن أن يجدوه داخل هذه الصفحات الكثيرة المليئة والمتشعبة بالحكايات.

فهناك بعض الكـُتاب الذين تكتشفهم من أول رواية لهم،تشعر بأنهم يكررون أنفسهم بعدها أو أنك قد اعتدت على أسلوبهم في الحكي فتقل جاذبيتهم لديك.

لكن إليف شافاق أثبتت لي أنني لم أكتشفها بعد وأن قواعد العشق الأربعون لم تكن أقصى جهودها في الكتابة،بل هي قادرة على أن تتخلل عالمـًا آخر وتكتب عنه بتعمق وتركيز ينقلك إلى موقع الحدث ويفصلك مرة أخرى عن العالم المحيط بك.

وأظن أن الأدب قد اكتسب شيئـًا جديدًا بوجود كتب إليف على أرفف المكتبة.

في هذه الرواية ننحو نحو نظرة مختلفة قليلاً عن اسطنبول التي نعرفها سياسيـًا،فنحن هنا نتوغل في المدينة اجتماعيـًا وأدبيـًا،وهو شيء لابد منه في ظل الأحداث المشتعلة على الساحة السياسية بين مصر وتركيا.

وبعيدًا عن السياسة،فنحن نرى المدينة من منظور مختلف..الازدحام المروري والتحرش والشوارع المرتفعة،روائح البحر والأشجار،تعدد الثقافات وتنوع الأجناس..تبدو اسطنبول كالأسكندرية قديمـًا في تنوع الجنسيات..فترى اليونانيين واليهود والأرمن والأتراك وغيرهم،كلهم تحتويهم هذه المدينة وتمتليء ذرات هوائها بحكاياتهم ومآسيهم الخاصة.

فمنذ اللحظة الأولى التي تبدأ فيها بالقراءة تشتبك مع زليخة في مغامرتها للوصول إلى الطبيب النسائي عبر شوارع اسطنبول المزدحمة ولا تنفك تستطيع أن تفض هذت الاشتباك،فمع كل شخصية جديدة تظهر في الرواية يزداد تشابكك وتمسكك بإكمال الرواية فرغم طولها الذي يشبه المسلسلات التركي في بعض الأحيان ولكن الفضول القاتل الذي يتولد لديك لمتابعة قصص النساء المجنونة وحبك للجو العام للرواية يدفعك للاستمرار.

فتصرفات النساء ستظل محيرة وجاذبة للاهتمام،وإليف تستطيع جيدًا أن تخلق شخصيات متناقضة وحيوية في نفس الوقت.

"الجنون في كل مكان"..في قناق استانبول،في مقهى كونديرا،في منزل تشكمكجيان،في الشوارع المزدحمة..كل شخصيات الرواية تتصرف بجنون وكأنها تهرب من جنون العالم الخارجي إلى جنون عالمها الخاص..فآسيا لقيطة لا تعرف والدها ومحتارة بين أن تختار سعادة عدم وجود ماضِ والضياع الذي يولده شعور "ابنة الحاضر" وفقط،وزليخة لا تخبرها مـَن والدها وجميع مـَن في المنزل يتجنب هذا السؤال ورغم أن "بانو" عرفت الإجابة منذ فترة فإن عبء المعرفة أثقلها للنهاية،وشوشان التي أخفت جزءًا كبيرًا من ماضيها لتكتشف –أنت كقاريء- بأن العائلة التركية في قناق استانبول ترتبط بصلة وثيقة جدًا بالعائلة الأرمينية المتشددة في سان فرانسيسكو. كل شخصيات الرواية مجنونة وتهرب من جنون الأحداث التي لم تتمكن من تغييرها إلى جنونها الخاص المتفرد والذي أنشأ هذا العالم الرائع في الرواية.

لم أكن قد قرأت عن مذابح الأرمن في تركيا وتألمت كثيرًا لهذه الأحداث البشعة وسأحاول البحث عن معلومات أكثر عن هذه الفترة كما ارتعش بدني لمشهد اغتصاب زليخة،فرغم أن وصفه لم يكن فجـًا ولكن الطريقة والشخص وكل شيء يدفعك للتقزز من المغتصب.

كرهت "مصطفى" منذ وقعت عيناي على وصفه في الرواية،ولاحظت أن "بانو" الخالة التي تحب الخبز ربما اُشتق اسمها من كلمة "خبز" بالفرنسية pain أو ربما من فعل "البيان" بالعربية..فكلا التفسيرين منطقي.وهي شخصيتي المفضلة في الرواية رغم غرابتها كما أحببت شخصية آرام. وأُعجبت بقوة زليخة،كما تعاطفت مع حالة الجدة ما-الهيفاء –بالمناسبة،ما هذا الاسم الغريب؟!- .

لاحظت تشابهـًا كبيرًا بين معتقداتنا كمصريين والأتراك،فنحن أيضـًا حينما ينكسر كوب شاي نقول أن هذه "عين وصابتنا" وأنها الحمدلله جاءت في الكوب لا في أحدنا،كما كانت جدتي تـُهدي جارتها أحد صحون الطعام كانت الجارة تطبخ طعامـًا آخر وتـُعيده في الصحن حتى لا يعود فارغـًا وأتساءل مـَن نقل هذه العادات لمن؟! هل نحن المصريون نقلناها للأتراك أم العكس!؟

كما لم تتخلى إليف عن أسلوب القواعد فأعجبتني معظم قواعدها خاصة قواعد زليخة والكثير من مواد بيان العدمية لآسيا.

ورغم كل الحزن والألم في رواياتهن إلا أنهن اخترن ألا يعشن في الماضي أكثر من اللازم وأن ينطلقن للأمام للحاضر والمستقبل وهذا ما يثير دهشة آرمانوش العائشة دومـًا في الماضي المؤلم وربما تغيرها رحلتها إلى استانبول وتجعلها تتقبل الماضي كجزء ومضى وأن عليها أن تعيش قليلاً لأن الاستغراق في الماضي أكثر من اللازم يودي إلى الجنون.

الحياة صـُدفة،وقد كانت حكايتهن صـُدفة جميلة لكن حزينة.

رواية جميلة وتستحق القراءة. وقد ظللت مترددة فترة ما بين الأربعة والخمسة نجوم،فهي أربعة ونصف في رأيي .

لقد استمتعت بالرحلة داخلها كثيرًا..

شكرًا إليف : )

ملحوظة:قبل قراءتي لهذه الرواية حلمت برواية "كائن لا تحتمل خفته" لميلان كونديرا..دي علامة يا مارد...أتعتقدون أنني لو قرأت هذه الرواية سوف تخبرني شيئـًا مهمـًا؟!

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
اضف تعليق