شوق الدرويش > مراجعات رواية شوق الدرويش > مراجعة Hind Haitham

شوق الدرويش - حمور زيادة
تحميل الكتاب

شوق الدرويش

تأليف (تأليف) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

(قد تحتوي هذه المراجعة على ما يُحرِق بعض أحداث الرواية)

من الصعب التغلب على الشعور بأن "شوق الدرويش" Booker bait (طُعم للبوكر) أثناء قراءتها، إذ أنها "مُفصّلةٌ" على مقاس البوكر العربية، ففيها الوصفات الجاهزة لما ترغب فيه البوكر، إذ تتناول حقبة عنيفة من التاريخ العربي ("عزازيل"، "فرانكشتاين في بغداد")، وتحفل بمشاهد العنف التفصيلية التي لا تُعبر عن شيء يتعدى فعل العُنف في حد ذاته ("عزازيل"، "ترمي بشررٍ"، "فرانكشتاين في بغداد")، وتحتوي على كمٍ هائل من العُنف التفصيلي ضد النساء مثل هذه الروايات السابقة، وليس فيها أي حِسٍ بالحقوق الأساسية لكافة بني البشر مثل سابقاتها.

الرواية طُعم للبوكر منذ الغلاف. في نهاية الرواية، يضع المؤلف ملاحظة عن الغلاف الذي يُظهِر مُبشرًا نمساوي - الأب جوزيف أوهرفالدر، وهو بمثابة ضيف شرف في الرواية - وراهبتين كانتا تعملان معه وخادمتهم، لكن المؤلف لا يذكر لماذا اختار هذه الصورة بالذات للغلاف. هل هي الصورة الوحيدة "الحقيقية" الناجية من تلك الحقبة؟ هل كان هذا الغلاف لأن ثيودورا - موضوع اهتمام البطل، بخيت منديل - راهبة؟ في الغلاف، يظهر راهبٌ أوروبي مرتديًا ملابس إفريقية، وهو يقف بشموخ. تجلس في مكانة أدنى منه راهبتان أوروبيتان مُغطاتان بالكامل، ثم في القاع تجلس سيدة سودانية. الصورة تظهر شيئين رئيسيين: براعة المبشرين الأوروبيين في عمل استعراضٍ فني، وتراتبية العالم وفقًا للنظرة الأوروبية للعالم (التي تشترك مع النظرة البطرياركية في كل مكان، وتضيف عليها بعدًا عنصريًا)، فالأب - البطريارك/الرجل الأبيض - يقف بشموخ على رأس التراتبية، وأدنى منه الراهبتان البيضاوان، وأدنى منهن جميعًا المرأة السوداء، في القاع، مباشرة. لا يوجد رجلٌ أسود في الصورة، لكن، يُمكِن القول إنّ السيدة السوداء ستبقى في قاع السلم، والرجل الأسود أعلى منها قليلًا. كذلك، فإن الصورة تُظهر ارتداء ملابس أهل البلاد الأصليين من دون الاهتمام بثقافتهم أو الرغبة في الانتماء إليها. إنّه cultural appropriation (انتحال ثقافي) ما يزال يُمارس إلى اليوم، حيث يجري استخدام عناصر من ثقافة معينة على سبيل الملبس الرائج أو قصة الشعر الرائجة، وأحيانًا لإدعاء الاقتراب من أصحاب هذه الثقافة، من دون تحمل أيٍ من تبعات هذه الثقافة. فمن يرتدون ملابس السود ويضفرون شعورهم بنفس الطريقة ويتحدثون بالخطاب الأسود يستطيعون أن يخلعوا عنهم هذه الثقافة بمجرد خلع ملابسهم أو تغيير قصاتِ شعورهم، وبذلك يتاح لهم الاستفادة من أي مميزات ثقافية لدى السود من دون المُعاناة من عبء (الزنوجة). هذا ما في صورة الأب أوهرفالدر، وهو يُلخِص بُنية الرواية وفكرتها، إذ أن الرواية تبدو وكأنها مكتوبة من وجهة نظرٍ غربية بيضاء، رواية استشراقية.

الرواية مليئة بتعذيب النساء، منذ الخادمة السوداء التي تتعرض للتعذيب في مشهدٍ تفصيلي مقزز، إلى الراهبة ثيودورا التي تتعرض لعملية ختان يُسميها الكاتب "العملية" - من دون أي مبرر إلا كون هذه قصة عن السودان في زمن ثورة المهدي لذلك يصعب تفويت فرصة تقديم مشهد FGM صادم للخواجات ومتوقع في الوقت عينه ويحقق غرض تعذيب النساء بشكلٍ تفصيلي. ثمة نساء أُخَر يتعرضن للأذى، إلا أن المرأة الوحيدة التي يحبها أحد هي ثيودورا البيضاء، وهي المرأة الوحيدة التي يُنتَقَم لها في الرواية. بخيت منديل، بطل الرواية، هو عبد. يبدأ الرواية عبدًا، ويُنهيها عبدًا لامرأة بيضاء، ينتقم لامرأة بيضاء، فيما النساء السودوات اللائي يتعرضن للقتل والتعذيب والإيذاء مُجرد ديكور في الخلفية، أشياء توضع في الخلفية لتُري القُراء كم هي وحشية تلك الفترة، ثم تُطرَح جانبًا ولا يكترث بها أحد. تعذيب النساء في الخلفية موتيفة شائعة في الأدب والسينما والتلفاز وألعاب الفيديو، وهي ليست "واقعية" بقدر ما هي الصورة التي يتوقعها المتلقي. المتلقي لا يحب أن تفلت النساء من العذاب، ويريد إظهار الحب عن طريق بطولة المنتقم لهاته النسوة، لكن الانتقام يتحقق دومًا للنسوة البيضاوات، لا للنسوة السوداوات.

لا شيء جديد في "شوق الدرويش". الرواية تقول كل ما تقوله رواية أخرى في موضوع مشابه، وفيها كل الثيمات التقليدية لروايات الدروشة والروايات التي تدور في خلفيات تاريخية مشابهة. في كل فصلٍ من الرواية ملمح يعود إلى رواية سابقة. كل شيء تقوله قد قيل، أو شوهد من قبل. كل حركة فيها متوقعة، حتى السيدة التي تأكل رضيعها، وهي إضافة مجانية للرواية، لأن القارئ ذا المزاج الاستشراقي يرغب في لمسات الواقعية السحرية الشنيعة على خلفية الحرب والمجاعة. فهكذا يحصل الأخ بخيت منديل على صديقٍ عجائبي له أخت تنجب من الجن وابنة أخت - أبوها جني، أو هكذا يشيع بين الناس - تستطيع أن تأتي لبخيت بخبر الرجال الذين يبحث عنهم لينتقم منهم على طريقة "الكونت دي مونت كريستو" في عز الفوضى، وهم مشتتون في أماكن مختلفة. القارئ ذو المزاج الاستشراقي يحب كذلك أن يكون هناك أوروبي يدور في الشوارع البربرية بحثًا عن عبيدٍ سود لأجل أغراض خبيثة، ويحب أن يكون هناك تركي خبيث لديه ابنة نجحت في أن تجسد أسوأ صورة نمطية stereotype قدمته هذه الرواية المليئة بالصور النمطية المكرورة (بدءًا من العنوان، فبماذا يُمكِن أن تُسمى رواية عن شخصٍ يعشق عشقًا صوفيًا؟)

لا توجد شخصية أصيلة في الرواية، ولا حتى بخيت منديل أو ثيودورا، غير أن ثيودورا/حواء شخصية غير منطقية، بالإضافة إلى كونها غير أصيلة. فالمفترض أنها شابة جميلة يرسلها أبواها إلى الدير خوفًا على شرفها. ثيودورا وُلِدت في الإسكندرية، وأبواها يونانيان أرثوذكسيان ميسوران ولها أخوان. أسرة أرثوذكسية من يونان الإسكندرية لن ترسل ابنتها الوحيدة إلى الدير، بل على الأغلب أنها ستزوجها لتسترها وتكسب صهرًا يُفيد الأسرة بماله أو جهده في تنمية مال الأسرة أو علاقاته. وإذا أرسلت هذه الأسرة فتاتها إلى الدير، فلماذا ترسلها إلى بلادٍ أخرى يعلم الله ما سيحدث فيها؟ حتى لو كانت في صحبةٍ كنسية. صويحبات ثيودورا قد يكُن أنسب منها لهذا الدور، أو رُبما شخصية أخرى اسمها ثيودورا لديها أسبابٌ أكثر منطقية لدخول الدير، ولديها صفات مميزة غير أنها جذابة - لا يوجد وصفٌ لحالة ثيودورا العقلية والنفسية، حتى على لسانها، إلا لمامًا. ووصفها في الرواية وصفٌ جسدي لبشرتها وشعرها وشفتيها وعينيها. ثيودورا كذلك عنصرية، ولعلّه قد أُريد بعُنصريتها إضفاء بعد من (الواقعية) على الرواية، حيث أنها تعكس وجهة النظر البيضاء في السود، والعنصرية الشائعة في زمانها من دون مداراة. غير أنّ عنصرية ثيودورا، آخر الأمر، جوفاء، فهل كانت تؤمن بأن لدى السود أرواحًا؟ وهل تؤمن بأن هذه الأرواح يمكن هدايتها؟ عنصرية ثيودورا لم تنجم عمّا لاقته بعد أسرها، بل سبقته بزمنٍ طويل، وقد يكون هذا لأنّه أُريد لثيودورا أن تكون صورة من صور الحضارة الغربية، أو لإضفاء (بعدٍ نفسي) على شخصيتها، وفي الحالتين، فإن هذا لا يجعل ثيودورا شيئًا أكثر من شخصية مُسطحة.

لم يبدر من ثيودورا طوال الرواية ما يدل على أنها راهبة حقيقية تؤمن بالرب - إيمانًا يتجاوز تعصب الشخص العادي لدينه الذي وُلِد عليه. كذلك، فإن الرواية لم تذكر شيئًا عن أفكارها هي عن الرب. هل أحبت الرهبنة؟ هل رأت في إدخال والديها لها الدير نوعًا من الإبعاد القسري عنهما؟ هل رأت في رحلتها إلى السودان منفى؟ أفكار ثيودورا مجهولة، فرسائلها لا تتعدى تسجيل الانطباعات السطحية عمّا حولها، مرددة كل ما يناسب مزاج المستشرق. ومن حولها يُغرينها بكتابة كتابٍ من رسائلها. ثيودورا تشهد تعذيب امرأة بسبب شكواها من فقد صليب فضي، من دون أن تشعر بتأنيب الضمير. في الواقع، كُل البعثة الكنسية - وعلى رأسها الأسقف - تتصرف تصرفًا خبيثًا في تلك الحادثة، فالأسقف يرفض بشدة أن يُقر بأنّه منح كتاب الصلوات للفتاة آنجيلا وباركها، مع أن استيلاء الفتاة على كتاب الصلوات قد يُشير إلى احتمال "هدايتها"، والأب يقول إن هذا العذاب أهون مما يفعله المسلمون، فهم يقطعون يد اللص. هذه الملاحظة عجيبة، فالقانون تركي، والمطبقون إنكليز. أي أن المسؤولية عن الجريمة تقع على عواتق مسلمة ومسيحية، وهي بشعة بما يخالف تعاليم الدينين. وفي كُل الأحوال، فإن من شأن رُهبان مؤمنين أن يعترضوا على عقوبات وحشية يجري تطبيقها داخل ملكيتهم.

لم يكن ضروريًا أن تكون ثيودورا راهبة، ولم يكن ضروريًا أن تكون مصرية يونانية. كان بإمكانها أن تكون ابنة لأسرة يونانية تعمل وتقيم في الخرطوم، وتكون مسيحية - من أجل حوار الحضارات - من دون أن يتغير شيء، بل إن الرواية كانت ستصير أكثر رشاقة، وحبكتها أقل تهافتًا. لكن ذلك كان يعني المجازفة بوصف الرحلة من الإسكندرية إلى الخرطوم، بكل ما فيها من وصفٍ يُثير شهية المستشرقين. في الرحلة أشياء غير منطقية، فهم يعبرون الصحراء، ويمرون من أماكن حولها أساطير مخيفة، ويذبحون الغزلان للعشاء (ثيودورا تهتم بمصير الغزلان أكثر من اهتمامها بمصير البشر، فهي فتاة رقيقة الحاشية)، ومع ذلك تتذمر رفيقة ثيودورا من عدم حدوث أي شيء مُثير في الرحلة! كذلك، فإنهم لا يأخذون طريق النيل لأن واحدة من الراهبات الكاثوليكيات (اللائي تصفهن الرواية بأنهن "شمطاوات"، فلا يمكن أن توجد راهبات كاثوليكيات عجائز من دون أن يكن شمطاوات، وإلا فقدت الرواية إصرارها الباعث على الإعجاب على مفارقة الأصالة) تخشى ركوب المركب. مع أنهم جاءوا من الإسكندرية على قارب، في الأصل!

وإن كانت هذه هِنّة في الحبكة، فإن هناك حادثة أخرى لا منطقية تتغلب على كُل ما عداها من غياب المنطق في الرواية، فالراهبة الكاثوليكية الشابة هورتينيسيا (وهي متعجرفة وليست شمطاء) تدبر لنفسها مهربًا من أم درمان مع جماعة من الأوروبيين، وتخبر ثيودورا بذلك، لكن ثيودورا لا تهرب معها، ولا تعرض عليها هورتينيسيا ذلك (ثمة الكثير من الإحسان في الرواية). لماذا؟ ثيودورا كانت تكره أم درمان، وقد تعرضت فيها لجرائم بشعة، وكانت خادمة، كما أنها لم تكن تحب بخيت منديل. لقد كانت تعامله كـ"نموذج". تأخير هروب ثيودورا جاء عن عمد، لأن هروبها هو الحدث المركزي في الرواية، لكن هذا التعمد لم يكن مُقنعًا. لماذا كان ينبغي أن يُذكَر هروب هورتينسيا من الأساس؟ فلم يُضِف شيئًا إلى الرواية، بل إنّه أوقعها في بلبلةٍ وتناقض.

ثيودورا لغز، فليس ليونانيتها أي دورٍ في السرد، لكن كونها يونانية ليس مُصادفة، بل أمرًا مُتعمدًا أُصِر عليه. لم يكن مطلوبًا من البطلة إلا مجموعة مواصفات محددة يُمكِن أن تتواجد في أي امرأة أخرى، بل يُمكِن أن تكون هورتينسيا نفسها: أن تكون بيضاء، جميلة، شابة، عنصرية، وتكتب باستمرار. لكن يونانية ثيودورا، والتعذيب البدني البشع الذي تعرضت له، وقتلها في النهاية، وقدومها من الإسكندرية كُلها عوامل تجعل من ثيودورا صورة نمطية من archetype (شخصية أصلية) هيباتيا. ثيودورا بتول كذلك، مما يُكمِل الصورة المكرورة.

بخيت منديل لا يكاد يعرف شيئًا عن ثيودورا، ولا يبدو انجذابه لها أكثر من مزيج من الانبهار ببياضها - رغم أن الرواية تحرص على تأكيد تقززه من اللون الأبيض، مما يُخالف المشهد الذي يراها فيه فينبهر فيها، وتحاول الرواية تبرير ذلك بالقدر - والاستعداد للحب بعد أن أعطاه آسِرِهُ المصري دروسًا في كيفية التحول إلى مُتلصص مُترَصِد (stalker) معدوم النخوة. ثيودورا لا تحب بخيت منديل، بل تعتبره مجرد "نموذج" مُختلف. مسألة النموذج قد تُمثِل ما يُمكِن تسميته عُقدة مُصطفى سعيد. الأسود "النموذج" المُختلف عن أقرانه السود، العبقري في حالة مصطفى سعيد، والقادر على الحب في حالة بخيت منديل، مع أن بخيت منديل مليء بالشكوك، وهو عاشق قليل الفطنة، فهو يحفر قبرًا لحبيبته ولا يفطن لذلك إلا بعد حين! ثم يخرج في الشوارع ثملًا يصيح بأنهم قد خدعوه! لا شيء في بخيت منديل مُقنع، لا قصة حُبه المفترضة ولا قصة انتقامه الناقص - حيث أنّه يظن أن ثيودورا تحب يونس ود حامد، ولذلك فإنّه يُفلِت منه آخر الأمر، ويقلب الأمر إلى تأملات ساذجة عن "عصفور الدوري الأول". (مع أن فتى ثيودورا الأول هو الفتى اليوناني الذي لم تنسَه.) بخيت منديل ليس عاشقًا، بل شخصًا مسكينًا مُضللًا، لم يعرف ثيودورا، ولم يعرف إلا خيالًا صنعه وأحبه. كانت تلك الفكرة لتصنع رواية جيدة، لكن "شوق الدرويش" مُصرة على تقديم كونت دي مونت كريستو عديم التبصر.

تبقى شخصية الحسن الجريفاوي: الحسن كان شابًا هادئًا وقفت حمامة على كتفه لتمنعه من إيذاء زميل له في المدرسة، ثم اصطفاه شيخه وعلمه وأحسن إليه وزوجه ابنته. كان الحسن يعمل أجيرًا، وكانت حياته تمضي بسلام، باستثناء شكواه من الظلم الذي كان يشتكي منه الآخرون. ثم حدثت مجموعة أحداث (عجائبية) أكدت له ولشيخه ظهور المهدي، فلحق بالمهدي بعد أن طلق زوجته فاطمة لئلا تشغله عن الجهاد. الحسن الجريفاوي يختلف عن الشخصيات الأخرى التي التحقت بالجهادية أو بجردة النجومي من حيث كونه (المفكر)، وهو القدر الذي يُلاحق بخيت منديل فيدركه ويمنع عنه الوصول إلى يونس ود حامد. تصرفات حسن يخرج من دياره ويرى الكثير من المظالم والفواحش، ويقاتِل في جيوش المهدي، ويرى أنّه على حق. لا بأس بشخصية الحسن، حتى تُقرر الرواية أن تبتكر له عقدة ذنب، فتصف بالتفصيل كيف قتل فتاة صغيرة ترتدي فستان كستور أزرق! قتل الطفلة - الذي يدخل في باب تعذيب النساء وقتلهن في الخلفية - أمرٌ لا يتسق مع شخصية الحسن الذي وقفت حمامة على كتفه ومنعته من قتل زميله، فوصف الفعل يُظهِر قصدية منه، لقد قصد أن يقتل الطفلة بتلك الطريقة البشعة، وهذا الفعل لا يتسق مع شخصيته، ولا يتسق مع الفعل ما أعقب ذلك من تحولٍ في شخصية الحسن، من وجود (سر) أو (لغز) يُحيط بشخصيته. الأمر لا معنى له، إلا إيجاد دوافع نفسية واهية باستخدام شخصية الطفل القتيل التي قتلتها الأفلام الأمريكية.

من الشخصيات العجيبة التي تحفل بها الرواية شخصية فضل العزيز، خادمة البعثة اليونانية. فضل العزيز تخدم بعثة مسيحية رغم إيمانها بأنهم كُفار، ويُفترض أنها تُحب ثيودورا لكنها تُصِر على أن ثيودورا كافرة، وسيأتي المهدي ويقتلها ويقتل البعثة جميعًا ثم يدخلون النار لأنهم كُفار! فضل العزيز شخصية ملتاثة العقل، وهي جزء من ديكور الخلفية الذي يُفترض أن يُمثِل البُسطاء من أتباع المهدي، وفي مُفارقة قتلتها الأفلام الأمريكية كذلك، فإن فضل العزيز تُقتَل عندما تخرج للترحيب بقوات المهدي.

الرواية ليست عن ثورة المهدي، بل عن مجموعة أحداثٍ صدف وأنها عاصرت ثورة المهدي وما أعقبها. ثورة المهدي نفسها ديكور في الخلفية، ليس إلا. وتركيبة الرواية أملت سردها غير المُرتَب زمنيًا، لأنّه كان من شأن سردٍ خطّي أن يُظهِر مشاكل الحبكة بشكلٍ أكبر بكثير، وكذا تهافت الشخصيات. مع ذلك، فإن قراءة الرواية سهلة، والإمساك بخيوطها يسير، مما يدلُ على تمكن الكاتب من التقنية التي استخدمها. مشكلة الرواية تبقى انعدام الأصالة، الاقتباسات من القرآن والإنجيل متوقعة واستخدامها بهذا الشكل لا جديد فيه، والنهاية باقتباسٍ من ابن عربي كان أمرًا غير موفق. الرواية تحاول أن تقول أشياء عميقة، لكن هذا غير مُمكِن مع شخصياتٍ مُسطحة وحبكةٍ غير مُحكمة وغيابٍ للأصالة.

Facebook Twitter Link .
13 يوافقون
3 تعليقات