المعطف و الأنف > مراجعات كتاب المعطف و الأنف > مراجعة Mostafa Farahat

المعطف و الأنف - نيقولاي غوغول, محمد الخزاعي
أبلغوني عند توفره

المعطف و الأنف

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.8
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

ذكرتني قصة " المعطف " بقصة " القبلة " لتشيخوف ، وهو اعتماد كلا القصتين على ذات الفكرة ، ولا أعرف أهي سمة عامة في معظم الأدب الروسي ، أم أن هذا التشابة قد لا يكون بنفس الصورة التي رسمتها في مخيلتي عنه ، الفكرة في كلا القصتين هو أن كاتب كل قصة استطاع أن يجعل من الشخصية المحورية يقع على هامش المجتمع ، ولا يمثل للآخرين شيئًا ، وساقط تمام السقوط من حساباتهم ، لكن في داخل الشخصية ثمة شئ جوهري لا يشكفه الكاتب إلا مؤخراً بعد أن يجعل القارئ هو الآخر يتصرف مع تلك الشخصية كما لو كان شيئًا هامشيًا يتحاشى الظهور ، خصوصًا أن الكاتب يتعمد أن يجعل الحياة في نظر تلك الشخصيات تبدو مزحة سخيفة وشيئًا غير مفهوم ، شحيحة لا لون لها .

" أكاكي أكاكيفيتش " ذاك الموظف الذي لم يكن يعرف من دنياه إلا القلم والورقة ، يحبر هذا بذاك ، حتى وهو سائر في طريق يشعر كما لو أنه لم يغادر مكتبه بعد ، وتلك عادة الروتين القاتلة ، خصوصًا لو أسلم الإنسان نفسه له وجعل من نفسه فريسة بين أنيابه القاتلة ، كانت حياته غير مرتبة ، شحيحة إلى أقصى حد ، وهذا ما جعل منه شخصية تدعو إلى الضحك والسخرية من أقرانه .

لكن " جوجول " أراد أن يوضح لنا أن التمهل في أصدار الأحكام من كماليات العقل ، بل قد يكون العقل نفسه ، وكما قلت في البداية أن تلك القصة مشابهة إلى حد ما بقصة " القبلة " لتشيخوف ، وهو أن الأحداث تبدو في البداية سردًا مملاً ، قد يضيق به القارئ ، لكن سرعان ما تخطفه الكاتب ،وقلب الموازين بهذا الحدث الصغير .

هذا بالضبط ما أردت التركيز عليه ، وهو عين الشبه بين كلا القصتين ، وهو قدرة حدث عابر في لحظة عابرة أن تغير حياة الإنسان ، أن تعيد تكوين شخصيته من جديد ، حينها يسلم الإنسان نفسه مضطرًا إلى تلك الظروف تاركًا له المساحة الكافية كي تتحرك فيها كيفما تشاء .

عندما ذهب " أكاكي " إلى الترزي كي يعيد له ترميم معطفه ، لم يكن يريد غير ذلك فحسب ، لكن الترزي يصرعلى أن هذا المعطف لا ينفع معه أي شئ ، بمجرد ان يدخل فيه الإبرة سيتحلل من عناصره كلها في الحال ، وسيكون في حالة يرثى لها ، وسيستحيل إلى مجرد خرقة بالية ، فيجد نفسه مضطراً إلى ان يشتري معطف جديد .

" إن كل ما أحم به وما يبدو مستحيلاً وسماويًا ، هو في الواقع عادي ، كل هذا عادي جداً والجميع يخبرونه "

هذا ما قاله بطل قصة " القبلة " ، وهذا تقريبًا ما آمن به " أكاكي " ، المعطف كان بالنسبة له كان بمثابة حلم يراوده ، لكنه سرعان ما يتلاشى إذا عاد مرة أخرى إلى الواقع ، خصوصًا الواقع الذي كانت عليه حياته من بؤس وضنك ، وكيف أن راتبه والعلاوات وضعت في مكانها قبل أن تأتي .

لكن عندما سرق اللصوص مصدر البهجة الوحيد ، وشعاع النور في حياته ، حينها شعر بأن قلبه غاص في قدميه ، وشعر أن العالم يضيق به ، بالشكل الذي لا يستطيع معه أن يبدي حراكًا ، كما لو كان قد فقد القدرة على الحياة ، كا لو كان قد فقد الحياة ، لكن عندما تعرض لبشاعة هذا العالم معه ، وكيف أن الضحية هنا لا مكان لها ، لا حق لها في أن تعبر حتى عن الظلم الواقع عليها ، فقد حياته فمات .

حينها تذكرت هذا الموت الذي يلحق بالعاجزين عن الدفاع عن أنفسهم ، الذين لا يستأثرون بشئ ولم يستأثر بهم شئ ، الذين لا يريدون من هذا العالم شيئًا أكثر من أن يخلي بينهم وبين تلك الأشياء التي تثبت لهم على بساطتها أن لا زال لهم بعض حياة ، ويحبون أن يغادروا هذا العالم وتلك الأشياء معهم .

...

أما عن قصة " الأنف " فهي تحاول أن تثبت أن اللامعقول في بعض الأحيان من الممكن أن يلج إلى منطقة المعقول ، خصوصًا لو كان في عالم كهذا يعج بالمتناقضات ، فتحاول أن تطرق جدار الخيال بسؤال " ماذا لو " ، وعليه في تلك اللحظة أن يفكر في أن تلك الأشياء اللامعقولة فيها ذرة من الحقيقة مهما قلت ، وأن تلك الأشياء نادرة الحدوث من الممكن أن تحدث .

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق