#ظلُ_الريح La sombra del viento

#كارلوس رويث ثافون Carlos Ruiz Zafónz Zafón

عدد الصفحات 521

جّربْ أن تَدخل إلى مكتبة عتيقة في زقاق منزوي بعيدٍ عن مرايا و زجاج المكتبات العامة في الشوارع المرموقة ، ،، ثم جرب أن تختار عشوائيا كتاباً من على رفوف الغبرة تلك ثم لا ،،، لن تكتفي بإماطة اللثام عن عنوان الكتاب و قراءته فحسب بل إنك ستجد الكاتب متجلياً بأفكاره ذكرياته و حياته الخاصة بين ثنايا الكتاب و لن يهنأ لك بال حتى تعثر عليه جسداً مشوهاً بألسنة نار رواياته و يكون عليكَ أنتَ أن تعيدهُ للحياة و الكتابةِ من جديدْ.

صاحب الرباعية المعروفة بمقبرة الكتب المنسية ، و ظل الريح هي أولى هذه الروايات ، الروائي : كارلوس رويث ثافون Carlos Ruiz Zafónz Zafón من مواليد 25 سبتمبر 1964 في برشلونة، روائي أسباني ، بدأ حياته الأدبية بالكتابة للناشئة ,ونشرت روايته الأولى (أمير الضباب) سنة 1993 وحصل على جائزة Edebé الأدبية لرواية الناشئين والأطفال .

سنة 2001 أصدر ثافون روايته الأولى للبالغين بعنوان (ظل الريح) التي باعت ملايين النسخ من جميع انحاء العالم ، ترجمها إلى العربية معاوية عبد المجيد. وقد نشرت أعماله في 45 دولة وترجمت إلى أكثر من 40 لغة مختلفة.

تدور أحداث الرواية بين برشلونة و القليل من أحداثها في فرنسا في القرن العشرين و لابد من الإشارة و وضع القارئ في جو هذه السنوات من عمر الرواية و عمر شخصياتها إذ كانت إبان الحرب الأهلية الإسپانية حيث دارت من 17 يوليو 1936 حتى 1 أبريل 1939 بين الجمهوريين، الموالين للجمهورية الإسپانية، القوميين، جماعة متمردة بقيادة الجنرال فرانشيسكو فرانكو. انتصر القوميون، وحكم فرانكو إسپانيا ال36 عام التالية، من 1939 حتى وفاته عام 1975 ، و في ظل وجود حركة الأناركيين ( هي حركة سياسية فلسفية تدعو الى إحلال الفوضى كأداة حتمية لتنظيم المجتمع مرة أخرى) سادت الفوضى و القتل و الانتقامات على حد سواء أجواء أسبانيا و برشلونة بالتحديد .

بعد ظروف الحرب و مآسيها و بقاء تداعياتها طبعا تبدا قصة الفتى دانيال حيث يأخذه والده ذات يوم إلى مكان يدعى مقبرة الكتب ، يقع هذا المكان أسفل مدينة برشلونة يحرسها شيخ طاعن في السن يدعى اسحاق و له وجه شيطان كما تصوره الفتى دانيال أول الأمر حيث لا يعلم بسر هذه المكتبة إلا القليل فكانت مقبرة بحق ترمى فيها الكتب التي كتبت ولم تنجح ، ومن عادة هذه المكتبة أن من يدخلها يجب عليه إذا خرج أن يأخذ معه كتابا ويأتمنه على حياته، بعد أن تاه دانيال في هذه المقبرة قرر أخذ كتاب أو رواية بعنوان (ظل الريح) وعندما يعود إلى البيت يشرع في قراءته ويتعجب من وجود هذا الكتاب في مكان كالمقبرة تلك، ويريد أن يقرأ مزيدا من كتب خوليان كراكس، فلا يعثر على شيء ، يبحث دانيال بكل السبل ليعثر على مزيد من كتابات خوليان كراكس لكن دون جدوى ليعرف أن رجلا يدعى لاين كوبيرت يحرق جميع كتب خوليان لإعتقاده أنها مبعث للشر أو للشيطان، و هنا تبدا قصة الفتى دانيال و علاقته بخوليان كراكس فيتحول الفتى الطموح و الشغوف بالكتابة و الأدب الى محقق يتقصى أخبار كاتبه الغامض كراكس في رحلة بولوسية و إستكشافية رائعة و مشوقة يأخذنا خلالها كارلوس زافون في أول شاهد من مقبرته المنسية ظل الريح.

- مهما حاولت اللحاق بزافون في هذه الرواية فلن تستطيع له لحقاَ اذ يخيل إليك انك قد عثرت على خيط القصة الأولى لكن هيهات يعود زافون و يرميك الى بحر الغموض و التشويق و عدم الصبر و الانتظار ففي هذه الرواية سوف تلبس ثوب المحقق كونان و تتسلق صور قصر آل دايا و تتخيل سماع أصوات المدفونة ببنيلوب و ستعصف بك رياح برشلونة الباردة و يجمدك ثلجها البارد و تئن لصفعات المحقق فوميرو .. و تبكي قهراً على شباب نوريا

- رواية زافون تحكي بدقة كيف يكتب الروائي أحيانا تفاصيل حياته و آلامه و كيف يتنبأ أيضا مصيره عبر شخصيات روايته ، كما أنها أحداث أخذت أو أعادت التاريخ و الأحداث بشخصي خوليان و دانيال فكلاهما مولع بالكتابة و الرواية من صغره و كلاهما وقعا بحب فتاة من طبقة غنية بينما نشآ هما في الدرك الأسفل من الفقر تقريباً ما عاشه الأول خوليان عاشه الثاني دانيال و ذلك بمجرد أن دخل الكتاب و صاحبه في حياة الفتى دانيال غير أن الكاتب لم يشأ أن يكون مصير دانيال ما لاقه الأول لذا فقد أنقذه بطريقة خيالية و بمعجزة إن صح التعبير بعد رصاصتين في الصدر.

- يبدو تأثر زافون الواضح ببداياته أو بلفظ أدق برواياته الأولى للأطفال إذ نجد الكثير من الخيال و نوعا ما إدخال بعض الأساطير التي لا يؤمن بها الا الأطفال مثل القصور المسكونة و قصة صاحب قصر آل الديا الأول و زوجتيه ، كما يظهر الحس البوليسي لدا زافون بوجود جواسيس و شرطة و محقق خطير و مجرم و كما قال هو : السرد هو رسالة يكتبها المؤلف ليعري روحه، فلقد تمكنا من فهم شخصية زافون الكاتب و بما يفكر.

-الفترة التى إختارها زافون لتشهد وقائع روايته و هي فترة الحرب الأهلية الإسبانية و ما يعقبها من ظروف عصيبة لسكان برشلونة تحديدا زادت من غموض و تشويق الرواية و حبس الأنفاس لدا القارئ فلقد وُفِق زافون الي حدٍ بعيد في إختيار الزمن.

- الشخصيات مختارة بعناية من خوليان و طبعه الغامض كمظهره و دانيال الفتى المحبوب و حسن النية في أحيان كثيرة و خاصة خصية فرمين التي أضفت بعدا سياسيا و حتي فكريا للرواية إذ برأيي قال زافون على لسان فرمين ما لم يقله على لسان الشخصيات الأخرى كما برأيي لا تحتاج رواية زافون إلى أي إخراج أو سينما فكلماته رسمت و لونت الشخصيات و الحوار و المظهر و حتى تجسد ذلك في تصور القارئ و خياله.

📝اقتباس:

((كنت أجهل طبيعة المتعة التي تهبنا اياها الكلمة المكتوبة ، المتعة في ولوج اسرار الروح و الاستسلام لنزوات الخيال و الغاز الإداع الأدبي ...)

(نحن نعتبر الناس مثل بطاقات الياناصيب و نتمنى بكل أنانية أن يحالفنا الحظ من خلالهم).

(ثمة سجون أسوأ من الكلمات )

( نحن نستمر في الحياة في ذاكرة من يحبّنا)

(الكتب هي مرايات : انت فقط تري فيهم ما هو بداخلك مسبقا)

( كل كتاب، كل مجلد تراه هنا، له روح. روح الشخص الذي كتبه، وأولئك الذين يقرؤونه، يعيشونه ويحلمون به. في كل مرة الكتاب يتنقل من يد لآخري، ويقع نظر احدهم علي صفحاته، فإن روح الكتاب تنمو وتقوي)

(السرد هو رسالة يكتبها المؤلف ليعري روحه)"

(شعرت أنني مطوّق بملايين الصفحات و آلاف الأرواح و الأكوان الهائمة تتساقط في لجّة هاوية سحيقةٍ لا قرار لها، بينما يسهو الجنس البشري في الخارج مغرورًا بحكمته و هو يتأرجح على شفا حفرة من العدم و النسيان)

16/03/2020

21/03/2020