كتاب السيرة مستمرة _450صفحة _للكاتب احمد خيري العمري

أفضل كتاب سيرة قراته لحد الآن ولا اظن اني سأجد كتابا افضل منه على الإطلاق كيف لا وهو الكتاب الذي لم يكتف بنقل السيرة فقط كما عهدناه من باقي الكتب التي تناولتها كموضوع والتي اكتفت بنقل صحيحها وضعيفها من أخبار دون تمحيص ولا تنقيح .

فالكاتب العمري تميز ببحثه في أحداث سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من جوانب عدة، أدت إلى تفسير أحداث لم تكن مفهومة، وإلى اكتشاف ضعف ما كان يظن صحيحاً، وإلى معرفة الأسباب والدوافع والنتائج لأحداث معينة لم نكن ندركها فتناول النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان من الابن اليتيم المكفول الى الشاب التاجر الى الزوج المحب الى النبي المرسل صلى الله عليه وسلم ولم يكتف بحياته الشخصية فقط بل وتناول مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية التاريخية والعشائرية وكذا حاله مع اصحابه الذي ساندوا دعوته وكانوا دعامتها وأعدائه الذين مارسوا عليها اشد وسائل التنكيل محاولة لإبطالها، معتمدا في ذلك على التحليل والمناقشة والتفصيل في كل حدث حتى وان كان له ادنى تأثير في حياته صلى الله عليه وسلم ،بالاحتكام الى مختلف المسندات والمراجع التي تلحق الحدث والربط بينها ربطا منطقيا وزمنيا دقيقا كان له الفضل في نقل هذه الحقبة الزمنية بجميع وكامل مجرياتها نقلا صحيحا بعيدا عن كل الشبهات .

بدأ الكتاب بمفاتيح تفتح لك ابواب فهم السيرة النبوية الشريفة والتي تمثلت في شرح وربط لمختلف الشخصيات التي كان لها الاثر في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ايجابا او سلبا بالتفصيل في مختلف أنسابها وكذا انتماءاتها العشائرية مما يسر علينا الفهم والربط بين الاحداث أكثر .

لتبدأ بعدها احداث حياته صلى الله عليه وسلم التي غلب عليها طابع الشقاء والحزن في الكثير من المواضع كيف ولد يتيم ابيه ثم يتيم أمه وهو لم يتجاوز السادسة كفالة جده له ثم وفاته هو الآخر ، وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها وارضاها والتي كانت السند والملجأ له صلى الله عليه وسلم فقد آمنت به حتى قبل أن يومن هو بنفسه وكانت موضع سكينته بعد خوفه يوم ان لاقى الوحي اول مرة ...وفاة عمه أبا طالب الذي كان الجدار الواقي له من كيد قريش ومشركيها وتصوير الكاتب لما غلب على قلبه صلى الله عليه وسلم من حزن بسبب رفض عمه اتباع الحبيب عليه الصلاة والسلام ليبقى على ملة أبيه عبد المطلب وغيرها من المحطات التي قدرها الله للنبي كي تصقل شخصيته وتقوى نفسه لما هو آت ولما سيحمله من حمل ألا وهو الرسالة الى كافة الناس جميعا رسالة دين الإسلام .

مازاد الكتاب دقة هو اعتماد العمري على ترتيب نزول الآيات وفهمها وتفسيرها كدعم لترتيب الأحداث وتسلسلها وذلك ما كان له الفضل في جعل الشرح فريدا وينمّ عن فهم وإدراك واسع بين لنا كم هو مهم أن نعرف السور بترتيب نزولها وأسبابه ، لتغيير تلك النظرة القاصرة للمعاني وتوسيعها وكذا التفاعل مع تلك الآيات اكثر فنحس بالأمل بالتفاؤل بالخوف وبالخشوع بصدق .

أكثر ماشدني وزاد إعجابي في الكتاب هو تكذيب الكاتب العمري لتلك المغالطات التي كانت تدور حول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فبين لنا كيف أنه ليس كل ماهو متداول حوله سيرته عليه الصلاة والسلام هو صحيح بالضرورة خاصة ما أضافه ونقله بعض العلماء والكتاب الى السيرة اعتمادا على ادلة ضعيفة دون بذل ادنى جهد للتأكد من صحتها او بطلانها لإضفاء مزيد من التشويق بنقل بعض الخوارق وجعلها تحت عنوان "معجزات"ظنا منهم أنه سيكون لها تأثير إجابي يزيد من تأثر الآخرين بالسيرة وحسب رأيي فإن هذا مايدل الا على ضعف ايمانهم ونقص في قلوبهم بل وكان له الأثر العكسي على سامعيها فبسبب هذه الاخبار المتداولة ماعاد الناس ينظرون الى النبي عليه أزكى الصلاة والتسليم على انه بشر مماجعلهم يبتعدون عن الاقتداء والتأسي به.

أسلوب الكاتب كان راائعا حقا مجدِداً جعلنا نعيش مع تلك الأحداث بقلوبنا وعقولنا مما زاد من تفاعلنا مع الاحداث اكثر ووسع فهمنا لها .

أظن أنه من النادر جدا ان نجد كتابا كهذا يتناول سير الحبيب صلى الله عليه وسلم اعتمادا على العقل والمنطق وحسن البيان وكذا جمال الأسلوب وقوته .

منحت الكتاب خمس نجمات كاملة وانصحكم به فهو حقا تجربه فريدة من نوعها نتمنى لو يكون منه جزء آخر يستكمل لنا باقي حياته صلى الله عليه وسلم .