الأمير الصغير > مراجعات رواية الأمير الصغير > مراجعة حسين قاطرجي

الأمير الصغير - أنطوان دي سانت ايكسبيري, محمد سلماوي
تحميل الكتاب

الأمير الصغير

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
1

👨‍🚀 قراءة في رواية: الأمير الصغير للروائي للفرنسي: انطوان دو سانت اكزوبيري 🇫🇷 بقلم: حسين قاطرجي

في عام 1943 شهد العالم صدور رواية "الأمير الصغير" للطيار الفرنسي انطوان دوسانت أكزوبيري الذي يُشاع أنّه لم يحب ويمتهن الأدب قدر حبّه للطيران والسفر، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم لاتزال الأوساط الأدبية تنظر إلى هذه الرواية على أنّها واحدة من أكثر الكتب رمزيّةً وأشدها عمقاً رغم صغرها وبساطة تناول مواضيعها.

وقد أشبعت هذه الرواية شهيّة محبي فنون الأدب جميعهم، فهي رواية أدبية تعبيرية موجّهة للكبار والصغار معاً دون أن يُفقِد توجهها الطفولي بريقها الفلسفي الرمزي العميق.

🔹️ في الرواية يتنقّل "الأمير الصغير" معيّة الطيور المهاجرة بين الكواكب فيلتقي في كل كوكبٍ شخصاً يمثل شريحةً تعيش بيننا؛ ففي أحد الكواكب -وكلها كواكب بالغة الصغر- يلتقي مغروراً معتدّاً بنفسه، ثم يلتقي سكّيراً يشرب لينسى الخزي الذي يعيش فيه، أظنّها إشارةً إلى الحلقة المفرغة التي يدور فيها كل مدمن عندما يهرب من الشرب وإليه فيظنّ أنّ خلاصه يكمن في الدّن والكاس فإذا به دمار حياته وبؤسها. وفي كوكبٍ آخر يلتقي برجل أعمالٍ شغلته الأرقام وقيّدته لغة الربح، فلا هو تنعّم بما بين يديه من الثروة ولا هو انتقل إلى النجوم التي يريد شراءها.

🔹 ️وفي كوكبٍ آخر يلتقي بالدومري الذي يوقد مصابيح الشارع ويطفئها، وقد حرمه هذا العمل لذّة النوم أو التمتّع بمشاهد الغروب، وقد ألزم نفسه هذا العمل لأنها تعليماتٌ ينبغي عليه التقيّد بها دون أن يعي غرضها، أقول: كم نصادف في حياتنا أمثاله، أشخاصاً يزاولون أعمالاً لاتناسبهم ولاتفيدهم لمجرد أنهم مطالبون بالعمل بها، هؤلاء الذين تزول حياتهم ولايزول عندهم شعور الدونيّة والانخراط في صفوف القطيع، ولايعرفون أنّ قيمة المرء بما يحسنه وبما يضمن كرامته وحرية اختياره. ثم يلتقي بالجغرافي الذي لايُحسن توصيف كوكبه، بل يجهل أيضاً أبسط رسوم التضاريس وبديهيات علوم الأرض والكواكب، وهو لايبرح مكتبه بل ينتظر المستكشفين الذي يخبرونه بما يرونه في رحلاتهم. وهذا أيضاً عيّنةٌ مكشوفةٌ من المتفلسفين الاتكاليين مما نشاهده في حياتنا.

🔹 ️في كوكبٍ آخر يلتقي الأمير الصغير بملكٍ غطى طيلسانه الكوكب كله لدرجة أن "الأمير الصغير" لم يجد لنفسه موطئ قدم. انفرجت أسارير الملك بقدوم هذا الغريب وعدّه أحد رعاياه الذين سيتحقق له الآن ممارسة سلطته عليه وبسط نفوذه؛ فأمره بالامتثال لأمره بعدم التثاؤب؛ لا لشيءٍ إلا ليشعر بجبروت سلطته وحقارة من أمامه.

في هذه الباب متسعٌ عريضٌ للحديث عن جملة الملوك والدكتاتوريين الذين لايرون على الأرض إلا أنفسهم (الوشاح الذي يغطي الكوكب) ولولا أن ّ"الأمير الصغير" رفض الإذعان لسلطة الملك لاستغله هذا الملك واستولى على إرادته؛ وهي حقيقة كشَفَتها لنا الأيام، فطالما استسهل الشعب الخنوع، وبلع لسانه قبل أن ينطق بكلمة حقٍ أمام الحاكم الظالم الجائر؛ فلا غروَ أنّ هذا الحاكم سيعامل شعبه معاملة الدّواب، فإذا قرّب إليهم مَعلفاً انتظر منهم سجود الشكر والامتنان. والأعجب من هذا أنّ الملك إن استشعر من شرفاء شعبه انتفاضةً ما، هبّ عليهم بالتهمة والتحريض أنّهم عملاءٌ لكواكبَ أخرى يريدون أن يشنّوا على حُكمه العادل حرباً كونية!! فيصدّقه سواد الناس من الرعاع فيدافعون عن جلّادهم فيدوم حكمه أعواماً أخرى!!

🔹 ️يعيش "الأمير الصغير" وحيداً كباقي جيرانه في كوكبٍ قزمٍ اسمه B612، ينظّف بركانيه الثائرين كل صباح ويتّخذ من الخامد الثالث كرسيّاً عند جلوسه للفرجة على الغروب، ويكسر وحدته ورتابة حياته زهرةً فوّاحة ينزع جمالهَا غرورُها وعجبها بنفسها وخيلائها الفارغ..وأرى أنّه من التنطّع القول أنّ الزهرة ترمز للنسوة عامةً وذلك بحسب بعض المراجعات التي قيلت بحق الرواية عقيب صدورها أواسط القرن الماضي. إذ لاداعي لهذا التنمّر الجماعي. وتبقى الزهرة رمزاً أراده الكاتب؛ ربما كإشارةٍ لاقتران الجمال بالغرور وهذا أقرب للظنّ الحسن والمنطق السليم.

🔹️ قرأت الرواية بترجمتين مختلفتين الأولى صادرة عن المركز الثقافي العربي بترجمة محمد تهامي العمّاري، والثانية عن دار المدى بالتعاون مع جريدة الثورة بترجمة المترجم الخبير سعدي يوسف، وكلا الترجمتان مليحتان مع أفضلية واضحة لترجمة العماري.

🔹 ️الإهداء الذي كتبه الروائي قليلٌ عليه أن يكتب بماء الذهب، إذ لم أقرأ قط إهداءً أبلغ منه، وأنا هنا أضعه بين أيديكم للنظر في دقة عبارته وصدقها وعفويتها:

"إلى ليون ويرث

أقدّم للأطفال اعتذاري إذ أهدي هذا الكتاب لشخصٍ راشد. ولديّ في ذلك عذرٌ معقول: فهذا الراشد هو أعزّ صديقٍ لي على هذه البسيطة. ولي عذرٌ غيره: هذا الراشد يستطيع فهم كل شيء، بما في ذلك كتب الأطفال. ثم لديّ عذرٌ ثالث: وهو أنّ هذا الشخص يقطن بفرنسا حيث يقاسي الجوع والبرد، ويحتاج للمواساة. فإذا كانت كل هذه الأعذار غير كافية، فإنّي أهدي هذا الكتاب للطفل الذي كانه ذلك الراشد. فكل الراشدين سبق وأن كانوا أطفالاً (رغم أنّ قلة منهم فقط تتذكر ذلك!). فلأصوّب إذن إهدائي:

إلى ليون ويرث

عندما كان صغيراً."

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق