شيفرة بلال > مراجعات رواية شيفرة بلال > مراجعة فاتح وائل

شيفرة بلال - أحمد خيري العمري
تحميل الكتاب

شيفرة بلال

تأليف (تأليف) 4.5
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

العبد الذي وُضعت الصّخرة فوق صدره ليلفظ أنفاسه الأخيرة مناديا {أحدٌ أحدْ}، وطأت قدماه أقدس مكان عند العرب (الكعبة). والطفل الذي تعرض لورم خبيث سيودي به لموت محققّ ترك خلفه أثرا لن يزول بموته..

إنه الايمان المحرك وقوة الدفع الالهية للعمل...

تتطرق الرواية لرحلة بلال بن رباح من العبودية إلى الحريّة، في عالم وثني أضحت فيه المادّية ولون البشرة المعياريين الوحيدين لتحديد قيمة البشر. في خضمّ هذا العالم المادّي يُبعث الرسول المخلص محمد عليه الصلاة السلام بالفكرة القرآنية الهادية والمنجية، ليقلب هذا العالم الماديّ رأسا على عقب، واضعا المادّة تحت أقدام أُناس يؤمنون بالفكرة، وجاعلا من الايمان والعمل معيارين للتميّز والتفوق بدلا من العنصرية والمادّية...

لم تقف الرواية عند هذا الحد، فالبطل هنا ليس بلال بن رباح فحسب، بل طفل من نيويورك اسمه بلال لم يتعدّى عمره الرابعة عشر سنة وقد أصيب بسرطان الدماغ، وفي خضم استسلامه لمصيره، يكتشف بلالٌ هذا بلالا بن رباح ليغدو ملهما له في حربه ضد الورم الخبيث، وترياقا شافيا لجروحِ وجدانه وهاديا له لنور الايمان في عالمٍ ماديّ مظلم لا يختلف كثيرا عن عالم الجاهلية الا في الشكل: فالعبودية الصريحة أمست عبودية لا مرئية قد تكون عبوديةً لسرطان أو لعلاقة غرامية فاشلة أو لمركب نقص يجعلك ضعيفا أمام الآخرين ويقف حجرة عثرة أمام تحقيقك لذاتك. والعنصرية المقيتة استحالت تنمّرا ومتنفسا لمن لا يجرأ على القول صراحة: {يجدر بك أن تكون عبدا لي!}. وما الثقافة الاستهلاكية الا تعبيرا عن الانتقال من عبادة الاصنام إلى هوس الناس وتكديسهم للمشتريات...

يضفي العمري للأحداث المؤلمة التي يتعرض اليها الانسان دلالات روحية سامية. فالسرطان الذي أصيب به بلال هو مرض خبيث ينهش جسد الطفل الصغير من الناحية الواقعية الصرفة، فيضفي عليه العمري مدلولا آخر روحيا يسمو به ليغدو أي شيء يكسر إرادة الانسان ويرميه في غياهب الاستسلام. يأخذ الموت كفاجعة تجعل نهاية لوجود البشر فيعطيه مدلولا روحيا يرمز للموت بأنه: الامتناع لاي سبب من الأسباب عن ترك الأثر الذي يُلهم من بعدك، وبهذا المعنى يصبح الحيّ من لا أثر له ميّتا والميّت من له الأثر حيّا.

يعقد أحمد خيري العمري العديد من المقارنات المثيرة للإعجاب بنظري. من بين هذه المقارنات، المقارنة بين صخرة سيزيف وصخرة بلال. تتحدث أسطورة سيزيف الاغريقية، عن سيزيف الذي تعاقبه الآلهة بأن يدحرج الصخرة من سفح الجبل لقمته، وكلما اقترب من انجاز هذه المهمة تنفلت الصخرة من يده لتعود أدراجها وتستقر في السفح، فيعود من جديد لدرجتها نحو القمة لتنفلت منه من جديد وتسقر بالسفح، هذه الصورة ستتكرر على نحو أبدي، وتشير للعبثية عمل الانسان وعذابه الأبدي مهما بذل من جهد.

يباغتنا العمري فيستحضر صورة أخرى واقعية ويضفي عليها صبغة أسطورية، صورة بلال بن رباح وهو يستقبل الصخرة فوق صدره في محاولة لكفار قريش لثنيه عن الايمان بالدين الجديد، وبالرغم من أن القرآن قد منح رخصة لضعفاء المؤمنين بالتظاهر بالنيل من محمد والدين الجديد منذ حادثة تعذيب آل ياسر إلا أن بلال رفض الاستسلام لمعذبيه وتمسك بموقفه حاملا الصخرة وراميا بها في وجه أميّة ومن معه وضافرا بحريته في آخر المطاف، ومعلمّا البشر من بعده أن العمل بدون ايمان عبثية والعمل مع الأيمان أمر مجدي.

قصة بلال بن رباح ورحلته من العبودية إلى الحرية لم تلهم الطفل الصغير بلال فحسب، بل ألهمت كذلك كل من لاتيشا والدته وكاتب السيناريو أمجد، فللعبودية أشكال متعددة وكل من لاتيشا وأمجد كانت لديهما من المشاكل ومن الثغرات النفسية الداخلية ما جعلهما عبدان بصورة مجازية لهته المشاكل. صحيح أن للعبودية أشكال متعددة الا ان طريق التحرر هو طريق واحد، وقد تعرفا على معالم هذا الطريق بفضل قصة بلال بن رباح وكيف أنه نال الحرية رغم الشدائد والرزايا التي لحقت به في سبيل ذلك. هذا الطريق الذي يبدأ بالإيمان بـ {أحد أحد} ويكفر بكل شيء سواه من عنصرية وجاهلية ومادية ووثنية، ثم ينتقل من الايمان بالله للإيمان بالنفس النابع من الثقة بالله والعمل الدؤوب وانتهاءً بوطء الصخرة بالأقدام، وقد ترمز الصخرة هنا للعبودية للمادة أو لأي شكل آخر من أشكال العبودية.

بالرغم من كثرة النقاط المثيرة للإعجاب، الا ان الرواية لم تخلو ـ بنظري ـ من بعض النقائص والتي ألخصها على نحو سريع في كثرة تكرار الجمل والكلمات نفسها على نحو يبعث على الملل ويعود بالسلب على التشويق، أعلم أن المراد إضفاء بعض الدراما على مشاهد الرواية الا ان المبالغة قلبت الدراما لرتابة سادت أجزاءً من الرواية.

النقيصة الثانية تكرار نفس التجارب على لسان أكثر من شخصية. فما يكتبه بلال الصغير على مدونته أو ما يعايش من أحداث تقوم والدته لاتيشا بقصه على مسامع أصدقائها، وما يرسله أمجد من بريد لبلال الصغير بخصوص بلال بن رباح من مصادر تاريخية يُعاد سرده على لسان هذا الأخير بصيغة المتكلم.

عموما، الرواية تستحق القراءة خاصة لشريحة المبتدئين من القراء لما فيها من أسلوب سلس ومشوق، ويعتمد التكرار وعرض التفاصيل على نحو لا يجد القارئ صعوبة لفهم محتوى الرواية.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق