ماكيت القاهرة > مراجعات رواية ماكيت القاهرة > مراجعة Khaled Abdelgaber Mohamed

ماكيت القاهرة - طارق إمام
تحميل الكتاب

ماكيت القاهرة

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

هل تعرف ماذا تعني كلمة (ماكيت)؟

( تمثيل مُصَوَّر لمبنى هدفه أن يظهر ما سيكون عليه شكل المبنى عند اكتماله على الطبيعة، وذلك قبل البدء في بنائه)

من العنوان – فإن المقصود بماكيت القاهرة – هو أن تصنع تمثيل مصور للقاهرة ولكن ما الهدف؟

هل هي خطة للتطوير؟

أم خطة لحفظ مكان بكامل تفاصيله حتى يكون مرجعا عندما يهينه ويغيره الزمن؟

أليست الصور كافية؟ الفيديوهات والأفلام الوثائقية؟ لماذا ماكيت؟

لماذا تريد أن تجسم مدينة بأكملها؟

حسنا عزيزي القارئ، هل تريد إجابات عما سبق؟

يخبرنا "طارق إمام" في أول صفحة ومباشرة مع الإهداء:

❞ الأمكنة تَخْلُقُ قاطنيها. إن نشأت نسخةٌ جديدة من بيت، ستنشأ نسخةٌ جديدة من ساكن. ❝

إذن فأنت لا تريد فقط أن تسجل كيف كانت أو ستكون المدينة، ربما تريد أن تصنع مدينة بساكنيها وشخصياتها وأيضا أحداثها.. ربما

مع توالي الأحداث تبدو الرواية تقليدية للغاية؛ فإذا تجاوزنا براعة الاستهلال التي لم أرها في أي نص روائي سابق بطفل يقتل أبيه بأصبعه الذي ألصقه لجبهته متخيلا أنه مسدس ومطلقا دويا من فمه: بوم

أو بشاب يرى شيئا لامعا تحت قدميه فيكتشف أنها عينا بشرية يأخذها ثم يلصقها في جرافيتي مرسوم على حائط لوجه بلا عين.. فإن الأحداث توالت كمزج بين ثلاث شخصيات – أوريجا ونود وبلياردو.. تتقاطع شخصياتهم لتنسج القصة في ثلاث محاور زمنية ٢٠١١ ثم ٢٠٢٠ وبعدهم ٢٠٤٥ .. قبل ان تتداخل معهم من المستقبل شخصية جديدة هي مانجا ..

ويمكنك أن ترى بسهولة

- اوريجا : شاب مصري من المستقبل يعيش في رتابة الحاضر الذي لم يتغير وكأنه يريد أن يخبرنا أنه لا اختلاف بين الحاضر والماضي والمستقبل لشعب بأكمله وتلك هي القاهرة بمفرداتها.

- نود: مصرية بكل ما تعانيه المصريات من آلام ومشاكل وطموحات مكبوتة، وحياة تعيشها في مرآتها دون أن يكون لها الحق في النطق أو التعبير،

- بلياردو: أحد شباب مصر الثورة.. شاب يمثل جيل كامل بدأ بطموح وانتهى كضرير..

تتورط من البداية بسبب ببراعة التشخيص في اكتشاف نفسك داخل حياة شخص منهم .

تتوالى الأحداث ويتوالى التداخل.. حتى تدخل عالم "طارق إمام"

هل تعرف "كريستوفر نولان"؟ شاهدت أفلامه سابقا؟

يبدأ معك بهدوء، رجال برابطات عنق رمادية حوارات قريبة ومركزة تتم في نطاق واسع ولكنها عن قرب يتحدث في الوجودية والأخلاقيات والتجارب الذاتية بخليط من البداهة والهندسة، واقع ممزوج بالخيال والفانتازيا التي لا يكبحها لجام. ثم تتورط معه بالدخول إلى عالمه.. فيغير كل مفاهيمك ويؤرق ثوابتك وهذا بالفعل ما فعله "طارق إمام"

هل تضمن بينما تقرأ كلماتي تلك أنك لست شخصية خيالية في رواية؟ أو أنك شخصية مخلوقة داخل خيال شخص ما؟

هل يمكنك التأكد من أن مدينتك التي تحيا بها هي مدينة حقيقية ليست ماكيتا مصغرا داخل مدينة أكبر؟

ما دليلك على ذلك؟

يقول "طارق إمام"

❞ ‫التصديق قرين التلقِّي. لا علاقة له بجوهر الموضوع. ❝

❞ هل تدرك الشخصية الروائية أنها شخصية في رواية؟ هل يمكنها التعرُّف على نفسها؟ وحتَّى وهي تفكِّر أو تُلقي بجملةٍ حوارية أو تتحدَّث لنفسها، ❝

انظر جوارك وتحدث إلى الشخص المجاور لك؟ هل سمعت الجملة التي نطقتها برأسك قبل أن تقولها.. ألا يمكن أن يكون ذلك الصوت هو صوت ملقن ما على خشبة مسرح؟

فكر.. وعاود التأمل في كل ما يدور حولك

لماذا تتخذ قرارت خاطئة ثم تعاود التفكير في إمكانية تعديل القرار او القول لو تمت إعادة الموقف الذي قطعا لن يتكرر.

تعيش عالم كريستوفر نولان المصري "طارق إمام" – ولا أعلم هل سيوافقني طارق ويعجب باللقب أم لا- ويبهرك بالتفاصيل وبفلسفته الخاصة.. هل الذكريات تسير في خطوط أفقية أو رأسية؟

يأتي الماضي من خلفك أم ترفع رأسك للأعلى حتى تراه؟

أبهرني واستفزني وأثار مئات الأسئلة داخلي.. أكملت الرواية بينما أتوقع مع كل جملة قادمة تويست يزيدني إبهارا حتى انتهت رغما عني.

لا مجال هنا للحديث عن روعة السرد ولا عن جمال المفردات اللغوية أو البلاغية أو حتى البناء الروائي وتداخل دوائر الشخصيات الرئيسية الثلاث مع المحاور الزمنية للحكاية... لقد برع فيها بكل تأكيد وكلها أدوات نستطيع الحديث عنها وتحليلها في الروايات العادية..

تمهلت كثيرا في قراءة الرواية واستمتعت بها.. وأستطيع أن أقول بمنتهى الثقة أن قراءة تلك الرواية فرض على كل من يهتم بالأدب والفنون..

* * * * * *

عن "طارق إمام"

إذا أعطيتك ورقة بيضاء وقلم رصاص وطلبت منك استخدامهم..

هناك شخص سيكتب..

وهناك شخص سيرسم..

وهناك طارق إمام يكتب أدبا مرسوما.. بدقة تفاصيل وإبداع الفنان.. وبروعة وإبهار الحكاء والأديب..

"طارق إمام" في ماكيت القاهرة من وجهة نظري يستحق عدة جوائز:

- جائزة أفضل عمل أدبي وروائي

- جائزة أفضل فيلم قصير عن فيلم العاصفة والذي كتبه وأخرجه وصوره أيضا بشخصية نود

- جائزة جرافيتي القاهرة عن فكرة جرافيتي بلياردو

- وربما جائزة إضافية أيضا عن فكرة ماكيت القاهرة كإبداع يستحق التسجيل

لم يكتب رواية فقط ولكنه كتب فيلم قصير ورسم جرافيتي ووضع فكرة لقصة كوميكس مصورة بشخصية مانجا..

ولا عجب أن يتهافت الجميع على توقيعه المميز علي الرواية.. فهو فنان مكتمل وليس مجرد كاتب روائي

* * * * * *

الرواية مليئة بالاقتباسات الفلسفية الرائعة والكثير من العبارات التي تستحق التسجيل:

- ❞ يغدو الناسُ أَشَدَّ شبهاً بصور طفولتهم عندما يصبحون عجائز. يسهل اَلتَّعَرُّف على ملامحهم القديمة في الصور، كأن الأطفال يولدون فقط لكي يشيخوا، وفقط في هذه اللحظة، يعرفون أَيّ وجه يمتلكون. ❝

- ❞ كثيرون قتلهم أوريجا في ذهنه دون أن يضغط الزناد، كثيرون جدَّاً، حتَّى أصبح يملك مقبرةً جماعيةً في مخيِّلته، تضمُّ عدداً لا يُحصى من رفات أشخاصٍ لا يزالون على قيد الحياة. ❝

- ❞ ثمَّة أشخاصٌ يعبرون العالم دون أن يُنفِقُوا سوى كلمات قليلة، وكأنهم يملكون مخزوناً محدوداً منها سيَنْفَدُ إن هم لم يقتصدوا في استخدامه. ينتهي الأمر بهؤلاء إلى الموت وقد خلَّفوا وراءهم عدداً هائلاً من الكلمات التي لم تُقَل. ❝

- ❞ بدأ من لحظة المصافحة الأولى. لم تنهض عن مقعدها، ما جاء كموقفٍ، تُشبِعُهُ الرمزية، حيث يكون أوَّل ما يفعله شخص في حضرتها أن ينحنيَ أمامها مُجبَرَاً، وهو ما لا يُنسَى أبداً بعد ذلك، فَمَنْ ينحني لشخصٍ مرَّة يظلُّ محنياً أمامه للأبد. ❝

- ❞ أيُّ حَدٍّ يفصل بين المعنى الحَرْفي لعبارة ونظيره المجازي؟ ما الذي يجعلنا نتلقَّى عبارةً ما، باعتبارها الحقيقة، وعبارة أخرى، باعتبارها صورةً ما للحقيقة؟ لماذا نعبر سطح جملةٍ ما ملتقطين المعنى المُلقَى ببساطة على الشاطئ بينما نُضطرُّ في جملةٍ أخرى للغوص، كي ننتشلَ المعنى الغارق في الأعماق مُهدَّدِيْن بالغرق رفقته؟ وهل تظلُّ اللغة نفسها في الحالتَيْن؟ ❝

- ❞ ‫ - التناقض قرين الثنائيات. الشخص الذي ينظر للعالم كحزمة من الثنائيات يظلُّ يتعذَّب .. شكل/ مضمون .. واقع/ خيال، حقيقة/ وَهْم .. جسد/ روح .. صمت/ كلام .. بريء/ قاتل .. ❝

- ❞ كلَّما نجح في الفرار، كان بلياردو يفكِّر أن أسوأ ما في النجاة أنها تُفقِد المرء كبرياءه. مرَّة بعد مرَّة، كان يسأل نفسه: أيُّ نجاةٍ وَهْميةٍ يُمثِّلها الهرب، وفي الوقت نفسه، أيُّ شجاعةٍ زائفة، تنطوي عليها مواجهةٌ مع مدينةٍ، لا ترى مَنْ يراها؟ ❝

- ❞ بالمناسبة، ما يُرعِب في المتاهة ليس فكرة التيه، بل انتفاء التمايز. يُحبِطُني أن الناس يخافون دون أن يستطيعوا حتَّى معرفة سبب خوفهم. المتاهة خلية مركزية، تتكرَّر عدداً غير نهائي من المرَّات، هذا التماثل ❝

- ❞ تأمَّل فكرة أن ينظر لماضيه من أعلى لأسفل. كان ذلك قلباً عنيفاً لفكرة الماضي الذي يلتفت الحاضرُ للخلف، كي ينظر إليه. يعني ذلك أنه يمكن لحياة ما ألَّا تتحرَّك خطِّيَّاً للأمام بقانون الزمن القهري، يمكن أن تتكرَّر وتُستبدَل صعوداً وهبوطاً، كأنها محض ترادفات، يعني ذلك أن التكرار يحلُّ محلَّ التطوُّر، مع تلك الفروق الطفيفة التي تكاد لا تُلحَظ بين عبارتَيْن اختفت مفردةٌ من إحداهما أو أُضيفت أُخرى للثانية. ❝

- ❞ الحياة الواحدة، لو تسنَّى لها أن تتكرَّر، فلن تُعاش أبداً مرَّتَيْن بالطريقة نفسها حتَّى لو كتبها صاحبها نفسه. لا بدَّ من بعض الفروق مهما بدت النسختان متطابقَتَيْن. ❝

مئات الاقتباسات والجمل الفلسفية .. لو أردت كتابتها ربما ساأعيد كتابة الرواية ..

شكرا .. "طارق إمام"

يوما ما ساأجلس معك بالورقة والقلم لتشرح لي كيف استطعت بناء هذا الصرح العملاق ماكيت القاهرة.

Tareq Imam

Facebook Twitter Link .
35 يوافقون
4 تعليقات