ماكيت القاهرة > مراجعات رواية ماكيت القاهرة > مراجعة نورهان الجندى

ماكيت القاهرة - طارق إمام
تحميل الكتاب

ماكيت القاهرة

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

ماكيت القاهرة أو كيف تمحو مدينة بالكامل من ذاكرة قاطنيها..

"إنّها مفارقة فادحة أن تعرف أنّ مكاناً قد وُجد فقط لأنّك رأيت حطامه."

كيف يستطيع الفن محاكاة حيوات وتواريخ الأشخاص؟

كيف للفن علي اختلاف انواعه و مدارسه وأشكاله أن يختزل تاريخ شخص؟ فما بالك بمدينة بالكامل، بتفاصيلها، و شكلها، بل وأيضا في روحها.

قدم الكاتب تشكيلة غريبة وعالم يختلط فيه الواقع بالخيال، يمتزج فيه الحقيقي بالفانتازيا. فقدم من خلال ثلاثة أشخاص - تتقاطع حيواتهم ومصائرهم وعوالمهم - تجسيد وتجسيم لمعاناة مدينة بالكامل. مدينة تحيا كقاطنيها ومواطنيها، حياة القهر و التخفي بل والتعري في الظل، تظهر بكامل رونقها وجمالها في النور، وبكامل فضائحها وقباحتها في قلب الظلمة.

تحكي الرواية عن ثلاثة أشخاص: بلياردو، ونود، و أوريجا، كل منهم في قالب زمني مختلف، تتقاطع ارتباطاتهم ببعض ليكمل كل بطل حكاية الآخر. ومن خلال تجسيد كل منهم للون مختلف من الفن يظهر معني وتجسيد لحياته.

ومن خلال (جاليري شغل كايرو) الذي يلعب دور القاسم المشترك والرابط بين الشخصيات، تظهر شخصية المسز التي تحاول توجيه كل بطل لإضفاء لمحة من حياته في عمله الفني.

التتابع الزمني في العمل متقن وبارع لاقصي حد، وتماسك الشخصيات كان رائعا، لدرجة تجعل منهم أناس متجسدين أمامك في الواقع، تشاهدهم وتتفاعل معهم.

أما عن السرد.. وما أدراك ما روعة اسلوب السرد ومفرداته ومصطلحاته وتعبيراته عند طارق إمام، فطارق من الكُتاب الذين لن تستطيع ان تَسلي حلاوة وصفهم، ولا رصانة و عظمة سردهم.

فعلي سبيل المثال هذه بعض المقتطفات من الرواية :

"ذات يوم دخل الثائر المقهى وقد غيَّر وضعية الشريط اللاصق، وضعه أفقيا بين جبهته وأنفه، بحيث يُغطي عينيه الاثنتين، بالطريقة التي تضع بها الصحف خطًا أسود على عيون المتهمين في صفحات الحوادث.

فكّر بلباردو: لقد تحوّل وجهه من وجه ميت إلى وجه سيء السمعة."

"ثمة أشخاص يعبرون العالم دون أن ينفقوا سوى كلمات قليلة. ينتهي الأمر بهؤلاء إلى الموت وقد خلفوا وراءهم عددا هائلا من الكلمات التي لم تقل."

"ما الفنان إن لم يكن لصاً؟ وما الفن إن لم يكن نشلاً لشئ ما من محفظة العالم، حكاية أو صورة، يعتقد أصحابها أنها ملكية شخصية، قبل أن يُجرَّدوا منها، لتصبح حكاية أي أحد؟"

أما عن الافتتاحيات فهي من الأمور التي تبرز ذكاء وموهبة الكاتب، فعلي غرار الافتتاحيات العظيمة لأمهات الأعمال، انتقي طارق أبدع ما يمكن ان يجتذب عقل و فضول القارئ، فأستهل نصه بالجملة التالية:

( يتذكر أوريجا أنه كان طفلا حين قتل أباه بهذه الطريقة: ألصق أصبعه بجبهته متخيلا أنه مسدس وأطلق دويا من فمه: بوم.)

فأي جنون ينتاب الكاتب و هو ينصب سيركاً امام قرائه ويجعل منهم مشاركون في مسار الأحداث، ليس فقط مشاهدين، فكل قارئ لنص طارق إمام، متورط بشكل ما في تناول وتحليل الحدث من وجهة نظره.

أخيرا اقول ان هناك كُتاب كُثر يستطيعون كتابة حكاية شيقة، ولكن هناك مبدعون قلائل يمتلكون القدرة علي إشراك القارئ في نصوصهم، وتحويل العمل إلي علاقة تفاعلية بين المُرسل والمتلقي.

هناك كُتاب لديهم ملكة السرد والحكي، وهناك طارق إمام بقدرته الإستثنائية علي كتابة نص إستثنائي متفرد، كأنه قطعة من أحجار كريمة تضيف لك وتضيف لها، وتكتمل بقراءتك لها.

فنحن أمام كاتب يمتلك لغة سرد متفردة ومتميزة و مفردات ملهمة، وإجمالا نحن بصدد الحديث عن نص قلما يقابله قارئ. فيكفي ان اقول لك أبتسم انت في عالم وحضرة طارق إمام.

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
3 تعليقات