ظل الريح > مراجعات رواية ظل الريح > مراجعة Raeda Niroukh

ظل الريح - كارلوس زافون, معاوية عبد المجيد
أبلغوني عند توفره

ظل الريح

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.6
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

مقبرة الكتب المنسية

" ان السرد هو رسالة يكتبها المؤلف الى نفسه ليعرّي روحه "

من بين القبور ينبعث الموتى.. و من مقبرة الكتب المنسية تولد الحكايا... لتقود الصدفة وحدها الطفل دانيال الى التقاط النسخة الوحيدة المتبقية من رواية ( ظل الريح) في مستودع خصص لحفظ الكتب و خاصة الفريدة منها... من بين صفحات تلك الرواية تبدأ روايتنا هذه ، لتتقاطع قصتها مع قصة الرواية التي وجدها دانيال و هو ابن عشر سنين ، لتكون حياته المستقبلية انعكاسا لحياة مؤلف الرواية التي

وجدها في مقبرة الكتب المنسية!!!

احداث الرواية متشابكة متداخلة و قد ابدع المؤلف في تكثيف عنصر التشويق و كسر حاجز التوقع عند القارئ في سبك احداث روايته من غير تكلف ظاهر .. قد يكون تقديم تلخيص لأحداث الرواية بمثابة الخنجر الذي يقتل لذة قراءتها ، و لكن تبقى بعض الأسئلة مشروعة على ضوء أحداثها .. فهي تتجاوز خصوصية روايتنا لتكون هما انسانيا عاما :

فكيف يمكن للكتاب ان يغير مجريات حياتنا و هل من الممكن ان تخرج احدى شخصيات الكتاب لتعيش فيما بيننا ؟ و هل يمكن ان نجد انفسنا فجأة نتقمص روح شخصية روائية من الرواية نفسها التي نقرأها ؟

و هل يمكن ان ينقلب عشقنا للكتب الى لعنة تترصدنا ؟

و هل يمكن لعاشق الحرف و الكتابة ان ينتقم من الكتب و يحرقها؟؟

و كيف يمكن للحب ان يجر علينا الويلات ؟

و كيف يمكن لاستغلال السلطة و ضياع الامن ان يبرر القتل و يسحق إنسانية الانسان باسم الحرص على مصلحة الوطن و محاربة الخارجين عليه؟!

كارلوس زافون حاول في روايته هذه ان يقدم رؤيته الخاصة حول عدد من تلك التساؤلات.

ففي ظل جو سياسي تسوده الحرب الاهلية الاسبانية في ثلاثينيات. القرن العشرين ، و من بعده حكم فرانكو الديكتاتوري ، يعالج المؤلف قضايا سياسية عدة متمثلة بنقده للمحقق فيرميور ذاك المتقلب الوصولي النفعي الذي يتلون بالف لون و لون ... ذاك الشخص المعادي للكلمة و الادب و كأنه يرمز الى الزعيم فرانكو و نظامه الذي عرف عنه قمعه للادباء و كرهه للفنون و اتهم نظامه باغتيال الشاعر لوركا ... المحقق فيرميور الذي لا يتوانى عن التنقل في ولاءاته الحزبية و استغلال منصبه لتصفية حساباته الشخصية ،و يتمادى في غيه مستعينا باجهزة الدولة و هو يأمن المساءلة القانونية ؛ ليقتل السيدة نوريا مونفورت بدم بارد و يتهم غيره !

في ظل هذا الجو السوداوي ، ينتقد المؤلف الويلات التي جرتها الحرب الاهلية الاسبانية على ابناء وطنه، حيث الفقر و الجوع و التشرد و النساء اللواتي لا يجدن الا بيع أجسادهن لضمان لقمة يومهن و الا فالجوع نصيبهن .. في ظل هذا الجو الخانق تدور احداث روايتنا التي لم تتوان عن نقد مظاهر اجتماعية و دينية .. فزواج السيد آلدايا لم يكن الا صفقة تجارية .. و والدة فيرميور تلك المهوسة بالتقرب من الطبقة الغنية النبيلة و التي كانت هي و ابنها ضحية لسخرية ابناء تلك الطبقة المدللة... مفاهيم الشرف و العار التي تمنح لأحدهم حق سلب حياة انسان اخر لانه رفض برمجة قلبه وفق نظرة الاخرين للشرف و العار .ذاك الانتقاد الذي أكده الكاتب اكثر من مرة بقصص متعددة في روايته، فتغيرت مجريات حياة ابطال روايته و مصيرها انتقاما لشرف ضائع!

و لم يسلم رجال الدين من رهبان و راهبات و متدينين من همز و لمز الكاتب ، فتجسدت السلبية و الكآبة و الجمود و الانقطاع عن مواكبة روح العصر و افتقارهم للتعاطف الانساني فيهم .

ولكن هل كانت بعض مجريات الأحداث ستختلف فيما لو كان رجال الدين و المتدينين على غير ما هم عليه من تلك الصفات؟

قد يكون في شخصية والد خورخي كاراكاس خير جواب، فذاك الرجل المتدين الذي قاده تدينه الأعمى الى ضرب زوجته و اتهامها بالفجور ، حتى بعد ان ثاب اليه رشده بدا الندم يأكل قلبه و لكن لات حين مندم !!

الرواية وان كانت في ظاهرها ، رواية تشويقية لحل لغز حياة خوليان كاراكاس مؤلف الرواية التي وجدها دانيال و هو طفل في مقبرة الكتب المنسية ، الا انها تضج بدعوة واضحة للثورة .. الثورة على الظلم السياسي .. و الثورة على الفقر و الجوع و انعدام الامن .. ثورة على سلطة رجال الدين .. ثورة على كل من تسول له نفسه ان يقتل الكلمة و يخنق الحرف.. و يحرق الكتب ..فثمت سجون أسوأ من الكلمات يا دانيال ... هكذا تتكرر هذه العبارة اكثر من مرة عبر صفحات الرواية .. فماذا يمكن ان يكون اشد هولا من الكلمات التي نلزم انفسنا بها؟؟!

قد يكون حرماننا من حق الكلام اشد هولا !

الرواية دائرية ، فخاتمتها تنتهي بالمشهد نفسه و العبارات ذاتها التي بدات بها الرواية .. غير ان دانيال هذه المرة هو من يأخذ طفله خوليان ( الذي اسماه على اسم مؤلف رواية ظل الريح التي وحدها و هو بعمره ) لزيارة مقبرة الكتب المنسية و يوصيه بحفظ السر .. بينما في بداية الرواية كان والد دانيال هو من اخذه لزيارة مقبرة الكتب تلك حيث وجد نسخة من ظل الريح ... و كأن المؤلف يقول لنا : ان لا خلاص لمآسينا الا بالكتابة و الكتب .. في كل زمان و مكان و الا اصبح وجودنا ظلا لريح مرت يوما من ها هنا و تلاشى ظلها...

#رائدة_نيروخ

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق