ماكيت القاهرة > مراجعات رواية ماكيت القاهرة > مراجعة مريم العجمي

ماكيت القاهرة - طارق إمام
تحميل الكتاب

ماكيت القاهرة

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

أثر سقطة حجر في مجرى مائي هاديء: نهر مثلا، ترعة أو بحيرة، دوائر تتسع في تتابع هندسي ثم تتلاشى، لكن طفلا أكثر مهارة يستطيع برمية واحدة للحجر أن يترك عدة آثار على وجه الماء الساكن كأن الحجر يسير على الماء قبل أن يسقط: ليترك عدة آثار بذات الرمية، تترك دوائراً تتشابك ويختلف أثر قوتها وتتداخل في مشهد بديع لا يتخلى عن شكله الهندسي الماتع، هذا ما فعله طارق إمام بالماكيت دوائر الزمن والمكان والشخصيات.

في التصميم الهندسي يبدأ الأمر بالماكيت المتخيل لينتقل إلى أرض الواقع على غراره، يحدث أن الماكيت هنا سيصُمم لمدينة قائمة بالفعل، إذن الأمر أبعد من البناء: تأصيل، تأمل، تخليد، إعادة نظر لما هو قائم بالفعل، يترك إمام أثر البناء في الكتابة، القسم الأول من الرواية يعد تشييدا بما للكلمة من معنى رسم وتخطيط وحفر ومعدات بناء، رمي أساس، تشكيل حديد الأعمدة، رمي خرسانتها حشو الفوارق بالطوب، انتظر بقي خطوة.. نعم، هو لن يضع السقف أبدا..

يلعب إمام بتكنيك الحدث الدائري: حيث يلتقط مفتتح الرواية من لحظة ذروة، طفل لا يتجاوز الخامسة يقتل أباه، لا يمكن أن تغفل مشهد قتل الأب على ماذا يحيل؟ هذه النغمة التي لعب عليها الإعلام المصري أثناء ثورة يناير عن الرئيس الأب و.. و.. و.

لا يكف عن الدوائر: القصر المدوّر، ميدان التحرير الدائري، عين بلياردو، اسم "بلياردو" يرمي على شكل الكرة الصغيرة الدائرية، المسز ورسمها للدوائر المتتابعة؛ في أي دائرة نحن لا تسأل! أنت تائه لا محالة، هل أنت جزء من الحياة، أم ماكيت مصّغر، أم مصغر للمصغر، أسئلة لا تكف عن الطرق بمطارق حادة في الفكر والفن والحياة بلا نهاية.

استخدم طارق إمام تقنية ال GBS في تتبع الشخصيات ورصدها من أعلى، كأنهم مكان، يرسمه من أعلى، بقي المكان شخصا صاحب الحس والأثر الأقوى والأبقى بالرغم من زوال أثر ساكنيه: المكان القادر على صناعة الشخصية ليس العكس.

الفن بشعابه يجمع الشخصيات: أوريجا صانع المصغرات، نود مصورة الأفلام التسجيلية، بلياردو رسام الجرافيتي هذه الفنون التي أنتجتها الثورة وسلطت الضوء عليها؛ تضاؤل مكانة الرئيس ليبدو صغيرا وصورة الميدان من أعلى لتبدو كل الرؤس المتشابكة مصغرة في حضرة الميدان، الهوس بتسجيل كل اللحظات مهما بدت تافهة، رسوم الشارع المعبرة عن غضب الشعب وفهمه وتغييره لمسار الأمور ولو لمرة واحدة حتى وإن لم ينجح الأمر، يظل الأثر، الفن أبقى أطول عمرا من أصحابه قادرا على النفاذ عبر الزمن ومزج الشخصيات مهما بدا اختلافها.

المسز هنا باقية عبر الزمن في موضعها تطبق على كل الخيوط، تتحكم في المسارات، ترسم الدوائر وتمسحها، في مكانها الدائم على الكرسي!

تخط في كتاب منسي عجرم _الكتاب العارف بكل شيء المحيط بكل علم_ تتعدد رؤاه، تختلف وجهات نظره في كل مرة تقرأ فيه؛ لكن يبقى أثر تخطيط الميسز في الكتاب على اختلاف النسخ المطبوعة باختلاف أشكالها وأحجامها وأعدادها، كأنها تفرض رؤيتها فرضا مع الكتاب.. تشكل الوعي بعين بصيرتها هي؛ مسيطرة على كل العقول تاركة بصمتها الشخصية على الكتاب! هذا الكتاب المتخيل! نعم متخيل، وكل الاقتباسات منه من خيال المؤلف، أحد الدوائر التي وقعت في قبضتها وصدقت وبحثت عنه على شبكة الإنترنت، لأعرف من هو منسي عجرم؟ لا يسعك إلا أن تصدق كل ما يقال، كل شيء حقيقي ويحدث فقط دس وجهك في الكتاب وابدأ القراءة وسيشد لحم الوجه إلى أن تسقط فيه تماما حتى أصابع أقدامك.

ينتهي العمل بنهاية دائرية أيضا، فتمارس الميسز لعبتها مع شخصية جديدة _مانجا رسامة الكوميكس_ كل شيء مكرر ومعاد بلا نهاية.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق