الأمير الصغير > مراجعات رواية الأمير الصغير > مراجعة محمد أحمد خليفة

الأمير الصغير - أنطوان دي سانت ايكسبيري, نخبة من المترجمين
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

عن البراءة الهشة الرقيقة لطفولتنا المبكرة؛ تلك التي باعدت بيننا وبينها الأيام والسعي نحو الماديات الدنيوية، وعن تلك الدهشة والانبهار في قلوبنا وعقولنا؛ ونحن نرى العالم من حولنا بأحداق مفتوحة لا تفهم الكثير مما تراه، وعن تلك الأسئلة التي كانت تراودنا طوال الوقت ونشعر بأهميتها العظمى؛ فلما كنا نلقيها على مسامع الكبار، كانوا يضحكون من سذاجتنا وعفويتنا، غير أنهم كانوا يتحيرون في الوصول لإجابات مقنعة عنها، وعن تلك الطيبة والمشاعر الرقيقة الصافية؛ التي كانت تسري في أرواحنا مسرى الدم في أجسادنا، ونحن نحنو على الكائنات الرقيقة من نباتات وحيوانات، نبكي لألمها ونفرح للعبها معنا وتقافزها من حولنا، وأنا بالطبع أستثني من ذلك تلك الكائنات الشريرة من الأطفال التي تولد وبها طاقة سوداء من الميول العدوانية، تدفعهم نحو التخريب والتدمير، وإيذاء مخلوقات الله التي لا حول بها ولا قوة، لا لشيء إلا لإشباع رغباتهم ودوافعهم الفطرية العنيفة والمخيفة.

عن كل تلك الرومانسية التي تعود بها ذاكرتنا لماضينا الجميل، حين كنا نرسم الأحلام، ونتخيل المستحيل، كانت قصة الأمير الصغير الساحرة.

والقصة يرويها طيار، كان يهوى الرسم في طفولته، غير أن عالم الكبار الذي لا يفهم عالم الصغار، ولا يحاول أن يهتم بذلك أيضًا للأسف، جعل الرسام الصغير يتحول بمرور الزمن إلى طيار، هوت به طائرته في صحراء فتعطلت، وحاول هو أن يصلح عطبها ليخرج من تلك الصحراء، قبل أن ينفد ما معه من طعام وماء، فيهلك من الجوع والعطش.

ثم يقابل الطيار طفلًا هو الأمير الصغير، ومن خلال ما دار بينهما من أحاديث وحوارات، نعرف قصة الأمير الصغير، وكوكبه وزهرته وبراكينه وأشجار الباوباب الخطيرة، ورحلته بين الكواكب والكويكبات؛ تلك التي قابل خلالها الملك والمغرور والسكير ورجل الأعمال ومُشْعِل المصابيح والجغرافي، قبل أن يهبط إلى الصحراء على كوكب الأرض، فيقابل الكثير من النباتات والحيوانات ليتحدث معهم، ويحاول أن يفهم منهم الكثير من الأمور التي لا يعرف كنهها، ويقوده البحث لمقابلة الطيار الذي كان منشغلًا بإصلاح عطل طائرته، فتتوثق العلاقة بينهما، ومن خلال أحاديثهما، نكتشف نحن القراء، الكبار منا قبل الصغار، أن الجوهر في الأشياء هو ما تراه قلوبنا لا عيوننا، وأن ما نرعاه ونهتم به، هو ما تتوثق بيننا وبينه الصلات فيصبح أليفًا، وأن ما نسيه الكبار من طفولتهم هو أن كل ما هو جوهري لا يمكن رؤيته بالعين، وأن ما تجعله أليفًا لك من نبات أو حيوان أو إنسان، تصبح مسؤولًا عنه إلى الأبد، سواء في سعادته أو شقوته، وأن المرء لا يستطيع أن يرى بوضوح إلا بقلبه (وهذا كله قاله الثعلب للأمير الصغير قبل أن يفترقا).

لن أتحدث عن تفاصيل الرواية، فجمالها في أن تقرأها وتستشعر روحها بقلبك، أما نهايتها الحزينة البائسة سواء للأمير الصغير أو للطيار من عالم الكبار، فستظل عالقة بذهني ما حييت، فلقد مَسَّت بقلبي وروحي الكثير من المشاعر والأحاسيس التي تراكمت عليها سنوات العمر فطمست معالمها.

كنتُ أظنُ أنها قصة للأطفال يقرؤها عليهم الكبار، فوجدتها قصة للكبار بقلم واحد منهم، يدعوهم للدخول من خلالها إلى عالم الصغار، كي يتمكنوا من فهم ما بداخل قلوبهم وأرواحهم، مما يعجزون عن التعبير عنه ليصل إلى أفهام وأسماع الكبار من حولهم!

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق