ماكيت القاهرة > مراجعات رواية ماكيت القاهرة > مراجعة Mohammed Mossad

ماكيت القاهرة - طارق إمام
تحميل الكتاب

ماكيت القاهرة

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

قادتني قدماي إلى هناك، الغرفة ذاتها لم يتغير شيء بداخلها، جميع التفاصيل حاضرة، المكتب الذي تجلس خلفه، لوحة الطفولة، ونسخ تشبهها بأوضاع كثيرة، الورقة والقلم الذي تصنع به الدوائر قبل أن تمحوها لتعيد تأكيد دائرة، كل شيء كما هو، لم يتغير شيء سوى الضيف.

أنا الضيف الجديد الذي قرر زيارة " المسز" في مكتبها بعدما أنهيت قراءة رواية  " ماكيت القاهرة"  لطارق إمام، أنهيتها واتخذت قراري بزيارة الجاليري لمقابلة لم أخطط لها بالفعل، ربما كانت تلك إرادة ذاتية، وربما أجبرتني قوة غرائيبة على فعل هذا الأمر مادمت قد وطئت متاهة طارق إمام بقدمي.

- أنت هنا الأن ضمن مبادرة الجاليري لكتابة مراجعة أدبية عن ماكيت القاهرة، كيف تعرفت على المبادرة؟

ها هي المسز تحاول أن تعيد الكرة من جديد، وفق القواعد التي وضعت لها مسبقاً، اللعبة التي أوقعت أوريجا ونود وبلياردو في شراكها التي أحكمت إغلاقه عليهم فور جلوسهم أمامها، أعادت سؤالها من جديد وكان علي أن أجيب بوقاحة نيابة عن جميع القراء ممن لا يريدون تلويث ألسنتهم بسب تلك الــ.... " المسز ".

- ما الذي يدعوك لمعاداتي وأنت تعلم بأنني أقف على الحياد دائماً؟

-  ومن قال لك بأنني أتخذتك عدوة لي،أنا لم أقدم على سبك إلا لأخذ بثأر هؤلاء الذين امتلأت قلوبهم بكراهيتك والخوف من تلك السلطة المطلقة التي منحها لك من أوجدك.

- وما ذنبي وقد منحني ما لم يمنحه لأحد غيري؟

 - ذنبك أنك تخليت عن وضعك وحاولت التمرد على النص المكتوب، غرورك الذي جعلك تتناسين حقيقتك.

  - وما هي حقيقتي  ؟

-  حقيقة وجودك داخل النص المكتوب، حقيقة كونك أداة سردية أوجدها  قلم كاتب من عدم سردي لحاجة تتعلق بتكنيك سردي.

- ولكن تلك ليـ........

- اصمتي أيتها العاهرة ولا تنطقي حتى أنتهي من حديثي، لا تقاطعيني من جديد وإلا...... تعرفين بالطبع ما أريد قوله.

........ -

- رائع... الأن أكمل حديثي وحين أنتهي سأطلب منك الحديث على قدر الحاجة ، كما قلت من قبل، أنت أداة سردية أفلح طارق إمام في سترها خلف قناع لشخصية داخل نصه الذي صاغه ببراعة، عصا بلياردو أحسن في اختيارها لخوض مباراة لن تنتهي، على الأقل في الوقت الحاضر، عصا سحرية كعصا هاري بوتر منحها قوة عجيبة على تسيير الأحداث ومجريات الأمور حسب رؤيته الخاصة بالنص وشخوصه، أداة سردية حاولت التحرر من سلطة موجدها بعدما أضفى عليها هالة من القداسة  وكساها بكساء الرعب ليسلطه على أروح القراء قبل شخوص الرواية، منذ اللحظة الأولى وأنا أدرك حقيقتك أيتها العاهرة، لقد جعلك طارق مرآة تعكس أسوأ مخاوفنا، مرآة تفضح ضعفنا وعيوبنا دون أن يجهر بذلك، العتبة الأولى لمتاهة المرايا التي صنعها ببراعة ليس لها مثيل، تلك المتاهة التي لن يقدر على الخروج منها إلا من أدرك الحقيقة فقط.... الأن باستطاعتك الحديث.

- تظن بأنك تعرف الحقيقة، ولكنك تجهل شيء هام.

- وما هو هذا الشيء......الهام؟

-  تظن بأنك تكتب حوار تخيلي يجمعك بشخصية داخل رواية مكتوبة قرأتها بينما من الممكن  أن تكون أنت أيضاً مجرد نسخة طبق الأصل تحيا داخل ماكيت لعالم تم صنعه من قبل أخرين، ألم تفكر في أنك قد تكون نسخة مصغرة لشخص أخر  بمقاييس مختلفة؟

- من جديد تحاولين التلاعب بي، لن أغضب هذه المرة وسأخبرك الحقيقة التي وجدتها بين ثنايا نص طارق إمام وقد استترت داخل متاهة الماكيت، إجابتي تجدينها في الصفحة الأخيرة داخل الرواية، وضعها طارق في بالونة حوارية  " لا" تلك هي الكلمة وهي أيضاً إجابتي. 

لا يعنيني إن كنت أنا النموذج المصغر من العملاق الذي يحيا حكاية قد تكون مكتوبة مسبقاً ليؤديها كما كتبت، لا يعنيني وجوده ولن أبحث عن حل لإشكالية من منا الحقيقي ومن منا الزائف، من هو الأصل ومن هو النسخة المأخوذة عن الأخرى بالتكبير أو التصغير حسبما يقتضي السياق، ما يعنيني هو الحكاية، روح النص، جوهر القصة التي أكتبها بينما كتبت من قبل. 

لا وجود للجاليري، لا وجود للماكيت، لا وجود للمسز، لا وجود لمنسي وكتابه العجيب، لا وجود للحقيقة فهي نسبية ولا تعني سوى أصحابها فقط، وكل منهم يراها حسب رؤيته الخاصة. 

نود… بلياردو… أوريجا… مانجا… هؤلاء هم الحقيقة المطلقة، هؤلاء هم الأصل، لا فرق بين العملاق الذي يتلصص على النسخة المصغرة داخل ماكيت ٢٠٢٠ وما بين الجالس داخل غرفة المسز ليلمح عيني المتلصص عليه. 

ماكيت القاهرة هو نص أدبي كتب بواسطة طارق إمام للأسف الشديد تلك أولى رحلاتي مع قلمه " ولن تكون الأخيرة بالطبع"، ونشرته دار المتوسط في طبعة أنيقة تتخطى أربعمائة صفحة، حصلت على الرواية من معرض القاهرة الدولي للكتاب بعد حوار مع بعض الرفاق تحدثوا عنها بعد وصولها إلى قائمة البوكر العربية، ولم يكن هذا هو الدافع الذي دعاني لاقتناء الرواية، لكن ما شجعني على ذلك هو فكرة الرواية، وما قيل عن " جنون المعالجة" 

للحق أنا مؤمن بأن الجنون قرين الإبداع، ولا وجود لفن حقيقي أصيل إلا إذا خرج من رحم الجنون وتحرر من قيود الواقع السخيفة، وهذا ما فعله طارق إمام في معالجة فكرة ماكيت القاهرة. 

متاهة زجاجية استبدلت المرايا داخلها بعدسات مقعرة ومحدبة، تعطي انطباعات لأحجام متفاوتة لذات الشخص، متاهة تصيب من بداخلها بالخوف وتدفعه لأن يكمل قدره المحتوم ليتمكن الكاتب من إرسال رسالة داعبت مخيلته قبل أن تتبلور الفكرة داخل عقله وقبل أن يوجد شخوصها. 

الفكرة القائمة على الصراع النفسي لشخوص الرواية المتواجدين داخل القاهرة ذاتها أو داخل الماكيت الذي يتخذ صورة العاصمة لتدور الدائرة وليأتي الدور على صراعات نفوس شخوص مستحدثين داخل الماكيت الموجود في ساحة الماكيت ذاته. 

لعبة الصناديق المتداخلة أو حلقات الساحر المتصلة المنفصلة، تلك اللعبة هي التي منحت المعالجة جنوناً وميزت النص عن غيره، وهي التي ستمنحه الخلود الذي يبحث عنه مبدعه. 

رسم الشخصيات بتلك الأبعاد والخلفيات منحها قوة عجيبة، وأنا أقسم بأن البعض من القراء سيزيح صورة إحدى الشخصيات ليضع نفسه مكانها مع إسقاط " خاص" لفعل " خاص" قادته الإرادة السردية نحوه ليجد صورته التي تتوارى في المرآة ولم يراها سواه. 

مع اعتماد صاحب الماكيت للغة خاصة بنصه اكتملت المتعة الأدبية، فإلى جوار التناص الذي اعتمده طارق إمام في اختيار الأسماء والمسميات وبعض الأحداث والأقوال المختارة كانت لغة الرواية لغة " خاصة بها" تعتمد على مفردات حداثية تتناسب مع المعالجة المطروحة للنص. 

للحديث عن ماكيت القاهرة لابد من التحرر من قيود الحديث المعدة مسبقاً لوصف القوالب الأدبية التي يعتمد عليها البعض من المبدعين، وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة طويلة، لكنني فضلت أن أجري حوار مع إحدى الشخصيات لإثارة عدة نقاط أردت الحديث عنها، ربما أكتفي الأن بأن أعود للتأكيد على براعة الكاتب في اختيار الفكرة ومعالجتها، ولأبدي إعجابي الشديد بهذا النص " الصعب" سواء كتابة أو قراءة واستيعاب، ولأشدد على أن أمثال تلك النصوص لم توجد لتقرأ قراءة عابرة دون الغوص في أعماقها حتى يصل القارئ إلى جوهرها وروحها وحتى يدرك حقيقة ماكيت القاهرة. 

#مسافر_فى_دنيا_الأدب 

#أبوماتيرا 

#aboMatera 

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق