سيدات القمر > مراجعات رواية سيدات القمر > مراجعة Haj Hussain

سيدات القمر - جوخة الحارثي
تحميل الكتاب

سيدات القمر

تأليف (تأليف) 3.9
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

-١-

ظريفة: "آفتي معرفتي، راحتي ما أعرف شي"

آفة/راحة ظريفة هي معضلة سقراط:"ما أعرفه أنني لا أعرف شيئًا"، وادعاء سقراط هذا هو الفخ الذي كان ينصبه سقراط لمحاوريه ليستدرجهم للحوار، وخلال رحلتك في رواية سيدات القمر تجد أنك دائمًا ما تتأرجح بين أمرين، أو ربما هو سكون في منطقة وسط بين السكون والحركة، بين القرية والمدينة، بين الرغبات والواقع. حتى أن الرواية من حيث الشكل تسوق بفهمك إلى هذا السياق، المنطقة الوسط. الرواية مثل المقطع الذي تهواه أسماء ولا تفهمه. قارن بين لوحات القوائم الرشيقة التي تكاد تطير ولوحات السيقان الغليظو الساكنة إلى الأرض.

-٢-

يُقال أن أفلاطون على الرغم من أنه وجه سهامًا تجاه مقاتل الشعر والأسطورة، إلا أنه كان مهووسًا بهما، فتكاد لا تخلو محاورة من محاوراته من الاستشهادات بالشعر والأسطورة، وذلك لتمرير شراكه لخصومه كما يستخدم "الجهل السقراطي"، ويُرجع بعض الباحثين ذلك إلى هوس أفلاطون بالشعر والأسطورة، ولربما بتمريراته هذه يريد أن يوصل أمورًا مختلفة، أفترض أن بعضها تخفيف وطأة مهاجمته للشعر في "الجمهورية" ووصفه بأنه محاكاة للمحاكاة؛ وأنه لا بأس بالاستخدام الحصيف لهذا النوع من الفنون للوصول إلى الحقيقة، ومن جهة أخرى لعله يشدد على أهمية الانطلاق من البيئة والتراث لتشكيل نص متين. ولا أذكر محاورةً زاخرة بالشعر والأسطورة كمحاورة المأدبة، وهي المحاورة التي يذكر فيها أفلاطون على لسان أريستوفان أسطورة الجنس البشري المتحد بين الذكر والأنثى الذي عوقب من قبل زيوس بفصله.

-٣-

ما يميز رواية "سيدات القمر" ليس فقط اللغة المميزة ولا جمال عمان وثراء المجتمع العماني الثقافي والتراثي فحسب، بل اتكاء الكاتبة على أساس قوي كالذي اتكأ عليه كبار الكتاب والمفكرين، إذ اتكأ كل منهم على تراثه وبيئته فلا نجد ذكرًا لكافكا ولا هوميروس ولا فيكتور هوغو، إنما نرى المتنبي والغزالي وابن حزم والتوحيدي، نعم جزء من هذا يرجع لتخصص جوخة الحارثي في الأدب العربي الكلاسيكي، ولكن نتلمس الإصرار على الانطلاق من البيئة العمانية بتنوعاتها واختلافاتها الاجتماعية والجغرافية.

كأفلاطون الذي استخدم التراث والتقاليد لنقد التراث والتقاليد، هكذا كانت جوخة الحارثي مررت العديد من الرسائل النقدية عن طريق الوقوف على أرضية صلبة من التراث والحكايا والمخيال الجمعي العماني، كما قال الموصف "اللي ما له أول ما له تالي".

-٤-

التشابه الأول بين سيدات القمر والمأدبة إذًا هو كثرة ترديد أبيات الشعر والأساطير "والأمثال"، كما أن موضوعهما الرئيسي هو الحب، لعل البعض يرى أن الرواية تتحدث عن المرأة العمانية وتحدياتها، إلا أن أراها رواية عن الحب عن النصفين الذي يبحثان عن بعضهما.

تبدأ محاورة المأدبة باستعراض بعض حضورها رؤاهم عن الحب التي إحداها تلك المعنية بالأرواح أو الأجساد التي تم فصلها إلى نصفين، التشابه الآخر هو ثراء النص واكتماله الشكلي والأسلوب واحتوائه على كل ما يحلم به القارئ أو المؤول (بنجامين جوويت عن محاورة المأدبة)، أو كما قال غوته أكثر مما قد عرفه الكاتب.

أما المقاطع التي سوف تكشف لك خبايا نص جوخة الحارثي هي المقاطع المتأخرة من المحاورة عندما يتحدث سقراط عن أستاذته في الحب "ديوتيما"، التي بينت

له أن الحب حالة وسط بين الألوهة والبشرية، بين الحكمة والجهل، بين الخلود والفناء، هو دائما حالة بين اثنتين، أمر بين أمرين، كما بيننا الأمر أعلاه فيما يخص الرواية. وهذه الطبيعة البينية للحب ناشئة كونه ابن للوفرة والفقر، بوروس وبينيا، فأبوه بوروس هو الوفرة والحكمة وأمه بينيا الفقر والحماقة، كما أنه تنبين ديوتيما أن الحب بعيد كل البعد عن اللين والإنصاف، بل إنه شديد متجبر، صياد ماهر حثيث البحث عن الحكمة فيلسوف بالطبع محب للحكمة، كما أنه الوسيط بين الآلهة والبشر فبه يبعث الأنبياء وبه تتقبل الصلوات والقرابين.

الحب كان رحلةً سارت فيها سيدات القمر "ميا وخولة وأسماء"، كانت ثلاثة رحلات مختلفة ومتشابهة في وقت واحد، فلم تتحد أي منهن بنصفهن الآخر، إن صحت رواية أريستوفان فإن هذا الكائن الذي كان عبارة عن اتحاد شخصين، فإنه ليس بالضرورة زوج رجل وامرأة، بل قد يكون رجل/رجل أو امرأة/امرأة، ويقول أريستوفان أن أرقى هؤلاء الآنصاف هي المقترنة بجنس مشابه إذ أنه لا تقوده الرغبات ولا يسعى السعي الحثيث للنصف الآخر، صحيح أنه يقول أنه إذا لقي نصفه الآخر فإنه تنمو بينهم صداقة متينة لا يعلمون لها سببًا، ويقول هؤلاء هم بالذات هم رجال الدولة "السياسيين"، وعندما يصف أفلاطون "ولو على لسان غير سقراط" أحدهم بالسياسي أو رجل الدولة، فإن السياسة والحكم في نظر أفلاطون من أسمى غايات وجود الإنسان، بل لربما كان يرى أن علم السياسة أشرف من علم الأخلاق بسبب شرف المتعلق، فالسياسة وفنها هي من مركزيات فكر أفلاطون.

إدراك سيدات القمر بأن نصفهن لم يكن رجلًا اختلف باختلافهن، ميا قد اكتشفت ذلك مبكرًا منذ اليوم الأول من زواجها بعبدالله، أما أسماء التي لم تحظ بمروان الطاهر فقد أدركت أن رحلة البحث عن النصف الآخر غير مجدية من خلال تجربة زواجها التي أثمرت حبًّا مختلف المعالم عن الحب المتعارف، وخولة... أن تأتي متأخرًا...

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق