مراجعة رواية
"جثتان والثالثة عند قدمي"
أدب جريمة
من تأليف Noha Daoud نهى داود
صدر عن الدار المصرية اللبنانية،2022.
320 صفحة.
الكاتبة روائية مصرية، تخرجت في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، والرواية هي السابعة لها.
في الرواية تقدم الكاتبة شخصية امرأة معتلة نفسيًا وعقليًا، من عائلة من المنيا، والتي تقع ضحية لوصية جدها، وعلى الجانب الآخر تظهر صحفية تحت التمرين والتي تحلم بالعمل كاستشارية نفسية، يراها الناس صغيرة السن وساذجة بملابسها الصبيانية وابتسامتها الخجلة، لها نظرة ورؤية مختلفة للأمور، لديها يقين طفولي، بعينين صادقتين، وأختها التي تعمل كمضيفة جوية لديها حس بوليسي عالي.
تبدأ الرواية بحبكة درامية بوليسية بجثة تحت قدمي المريضة النفسية، تتخللها أحداث اجتماعية تخدم الحبكة، ثم الغموض في ظهور جثة داخل شقتها أيضًا، يتبعها ظهور جثة ثالثة على شاطئ النيل بالمنيا، حيث تأخذنا الكاتبة منذ بداية الرواية حتى آخرها، بسلسلة من الأحداث والأسئلة والاستفسارات التي تتسارع معها دقات قلبك، حكتها الكاتبة بأسلوب ساحر مشوق طبعًا (محترفة حكى منذ سنوات).
ظهرت حرفية الكاتبة في ربطها للخيوط ببعضها البعض وجعل كل الاحتمالات مفتوحة، وذلك باستخدام الأدلة المادية والأدوات والرموز جعلت الحكاية أكثر منطقية وتماسكًا مثل (التمثال الجرانيتي، وشم الكتف لأخ المتهمة، مذكرات المريضة النفسية، طلاء حديث لأحد جدران شقة المريضة النفسية).
الرسالة التي أرادت الكاتبة أن توصلها للقارئ رسالة نبيلة، وهي معاصرة لمشاكل المجتمع الصعيدي ووصايا الأجداد، ومسألة خلافية عن توزيع الميراث في حياة الأباء، والتبرأ من الأبناء الذين يخالفون عادات وتقاليد العائلات، وزواج الصالونات من أجل المظهر الاجتماعي، والتنمر بالمدارس والظلم الذي يتعرض له أي شخص وأثره بالمستقبل، ومرض اضطراب شخصية فصامي النمط.
تباينت الصراعات بالرواية، فهنا نجد صراع المرأة المضطربة نفسيًا مع من حولها بالمجتمع، وما عانته خلال طفولتها من صرامة أمها وتنمر زملاء المدرسة، وصراع الصحفية في أعماق النفس البشرية، وصراعها في تحديد الجاني وكشف تفاصيل الجريمة وكشف الحجاب عن الحقيقة، وصراع مقدم الشرطة مع عائلته وخطيبته.
الكاتبة وفقت في اختيار العنوان؛ لأنه أبرز به أحداث القصة من وجود ثلاث جثث، فضلًا عن إخراج الغلاف من لون وتصميم معبر، وصورة تظهر فيها الكاتبة بطَلة جميلة تدل على الاحترافية.
اللغة الغالبة على الرواية هي الفصحى، ببعض الكلمات القليلة العامية والتي تم تمييزها بين "...".
الأسلوب الذي اتبعته الكاتبة أسلوب شيق حيث عبرت عن دراما بوليسية اجتماعية تستحق القراءة، فالحوار أكثر من رائع، كما أوردت الكاتبة عدد من الشخصيات الرئيسية والفرعية والتي تعدت الـ 27 شخصية.
رواية كلها أحداث متلاحقة تتنوع بين بداية جيدة مشوقة، مارًا بصراع البراءة، وعرض للجريمة، بأماكن متعددة مثل شقة المتهمة، ومستشفى العباسية للأمراض العقلية، وقسم الشرطة، ومقر الجريدة، كل ذلك ما بين محافظتي القاهرة والمنيا.
أكثر ما أعجبني هو أسلوب الكاتبة في وصف الأشخاص أو الأماكن وهذا يتبين من الآتي:
(1) وصف رائع للأشخاص وهو ما تتمتع به الكاتبة، وصف يتم تدرسيه في ورش الكتابة الإبداعية، أول ظهور لاسم الشخصية تبدأ بوصفه وصفًا رائعًا من ملامح الوجه، والجسد، والشعر، والملابس، والعلامات المميزة.
(2) جملة وصفية رائعة "هالة من الياسمين ومسك الليل وزهر البرتقال" ربط شخصية خطيبة مقدم الشرطة بالعطر والرائحة التي تنتشر حولها عند كل ظهور لها.
(3) جملة وصفية رائعة "تلامست اصابعهما، وسرت الكهرباء في جسديهما، وتوقف الزمن، تلك اللمسة التي أطلقت كهرباء غامضة في جسده، تقلصت بها احشاؤه".
(4) جملة "لم أحب حلوى النعناع يومًا، وإنما أحببت الحب الذي كان يأتي معها"، عند وصف المتهمة لحلوى جدها.
(5) وصف أكثر من رائع لمستشفى العباسية.
كل تلك الجمل الوصفية أثرت الرواية وزادت من تجانسها وتسلسل أحداثها.
تضمين الكاتبة لبعض الجمل التي تحمل طابع الحكمة وتعكس شخصية الكاتبة مثل:
(1) "الغضب شعور، كل شعور وراءه فكرة... أسألى نفسك ما الفكرة التي تسببت لك بهذا الشعور".
(2) روح الدعابة الخفيفة التي تميزت بها خلال الرواية من خلال: (بدءًا من هاني البحيري ووصولاً إلى "وردة المنيا المزهرة")، وجملة (بيتفور أند حفتر).
(3) ذكر الكاتبة أكثر من مرة كيف لمزاج الشخص في مشروباته أن يعكس شخصيته.
(4) جمل إيمانية: الله يحب إطعام الطعام، ودعاء الضالة التي قامت به الصحفية.
أكيد كل عمل لا يخلو من نقاط الضعف التي يمكن تداركها في الطبعات التالية، بس لازم أقولها:
(1) جملة "you complete me": جملة أجنبية وحيدة وسط لغة الضاد، لم تجد من يؤنسها خلال الرواية (على ما أذكر قالها الممثل توم كروز بأحد أفلامه الرومانسية).
(2) في المشهد رقم (7) لم يتم معرفة رد فعل أسرة نجية وخاصة والدها، وذلك عند كسر أصبعها بالمدرسة على يد مدرسها.
(3) تكررت مرتين جملة (تزوجت منذ خمسة عشرة عامًا، ولم أر زوجي منذ ليلة الزفاف) في افتتاحية المشهدين (11،7).
تنتهي أحداث الرواية بظهور للحقيقة كاملة للبطلة الصحفية، كل الخيوط تم فكها، تم الإجابة على جميع الأسئلة، ثم تركت الكاتبة جزء من النهاية للقارئ.
وشكر جميل لكل من شارك الكاتبة رحلتها من القراء والأقارب والأصدقاء ومن قدم يد المساعدة لخروج هذا العمل للنور، سبقه في بداية الرواية إهداء رقيق إلى روح والدها الحبيب.
إلى الملتقى في مراجعة أخرى
محمد الشخيبي