الرواية التاريخية قد تبدو سهلة، فالفكرة موجودة وجاهزة، ولكن تحويل هذه القصة المتوارثة ذات الأحداث المهمة قليلة التفاصيل لرواية مليئة بالأحداث و التفاصيل ومحاولة إثارة مشاعر جديدة بإستخدام قصة يعلمها الجميع، أمر صعب..
أوراق شمعون المصري تغلبت على هذه الصعوبة بعدة طرق، أولها عدم الاعتماد على الشخصيات الحقيقية كأبطال، فالبطل هنا ليس النبي موسى عليه السلام أو أحد أصحابه، البطل طفل من بني إسرائيل أول أحداث حياته المهمة هو الخروج و إنشقاق البحر..
هذا أعطى مساحة للأحداث فهذا الطفل العادي من الممكن وضعه في جميع المواقف التاريخية الحقيقية واختلاق مواقف حياتية مثيرة خاصة به دون أي تأثير أو تلاعب بالحقائق التي ذكرت في القرءان والكتب المقدسة الأخرى..
وجاء توالي الأحداث مفيدا أيضا، فالقصة من الممكن تقسيمها ل ٣ أجزاء، جزء يمتد من الخروج للوقت الذي كتب على بني إسرائيل فيه التيه، والتجديد في هذا الجزء كان عن طريق أحداث حياة شمعون نفسه و أيضا عن طريق ذكر بعض المواقف والتفاصيل من الكتب المقدسة والتي لا تتعارض مع القرآن الكريم الذي لا يميل للتفصيل في قصصه أصلا..
والجزء الثاني المفاجئ والمفرح بالنسبة إلي، لأني عندما سمعت الجزء الأول في الحلقات الإذاعية و دكتبت مراجعتي عنها شبهتها بأحب أجزاء مسلسل محمد يا رسول الله إلى، الجزء الرابع بطولة عدي بن ظالم سيد الوبر (شخصية غير حقيقية و ان كان نفس اللقب موجود لشخصية أخرى)، الشخصيتان تتشابهان في تواجدهم أثناء الأحداث العظام، وحيرتهم و بحثهم عن اليقين، وهذا هو الجزء الوحيد في المسلسل الذي استخدم هذه الطريقة بدلا من سرد الأحداث بالطريقة التقليدية..
هذا الجزء أسعدني لأنه أخذ شمعون من تيه بني إسرائيل لذات الأجواء التي تخيلته ينتمي إليها، لأبناء سيدنا إسماعيل والعرب و أراضيهم ومقدساتهم، و هذا الجزء هو الأكثر إمتاعا و تجديدا لعدة أسباب، أولها أن هذا الجزء من تاريخ العرب ما بعد سيدنا إسماعيل وما قبل الإسلام غامض لنا جميعا، فالعرب قوم يتوارثون القصص شفهيا وليس كتابة، و بالتالي تتشوه قصصهم و تضيع و لا يصلنا منها إلا القليل، ثانيا أن العرب في هذه الفترة كان المؤمن منهم على ملة سيدنا إبراهيم وإسماعيل ولم يكن هناك أنبياء بشرائع مختلفة يؤمن الناس بقصصهم و يتوارثوها..
وبالتالي التفاصيل والأحداث التي ذكرت فيه كانت ممتعة و جديدة و ربطها بقصة شمعون كان محكما، و جعلني أتساءل إن كانت هذه الأحداث العظام التي جرت لبني إسماعيل و العرب حدثت بالفعل في نفس توقيت التيه؟ أم هذا ربط أوجده الكاتب لخلق مقارنة بين حال بني إسرائيل وبني إسماعيل..
و عندما سألت د. أسامة عن ذلك أخبرني بأنه أوجد الرابط فعلا لكن ليس للمقارنة فقط ولكن أيضا بالبحث ومقارنة الخط الزمني للأحداث في المصادر التوراتية بالقصص العربية بداية من النقطة المشتركة بينهم و هي سيدنا إسماعيل و سيدنا إسحاق ( نقطة توضح الجهد الرائع المبذول في الكتابة)..
أما الجزء الثالث فكان هادئا نسبيا لأنه يصف نهاية الرحلة المعروفة مسبقا لكنه كان بمثابة تربيتة حانية مطمئنة على كتف شمعون والقارئ الذي يصاحبه بنجاح مسعاه بعد حياة مليئة بالأحداث الجسام والتضحيات الكبيرة..
أسلوب الكتابة مؤثر يمس القلب رغم بساطته، واستخدام الألفاظ القرءانية تم توظيفه بطريقة لا تشعرك بإقحامها عنوة ولكن لتجعلك تتخيل الموقف الذي كنت تقرأه دوما و تشعر بجلال الموقف، إحساسي الشخصي أن أسلوب الكتابة أصبح أكثر رقة من بعد الجزء الأول رغم أن الأحداث أصبحت أكثر و أسرع، و لكن كأن رقة معظم بني إسماعيل ودماثة خلقهم بالمقارنة بمشاغبة بني إسرائيل وعصيانهم الدائم أثرت على الأسلوب وعلي، فجعلتني أتخيل الجو في الجزء الأول غائما غالب الوقت، وفي الجزء الثاني مشمسا و صحوا😊
أما الفكرة التي شغلتني بعد هذه المقارنة أن الإنسان يملك الاختيار بالفعل، سيدنا موسى كان في بني إسرائيل يرونه و يعرفون أنه رسول من الله ويرون معجزات الله و عقابه ومع ذلك لا يرتدع أغلبهم ولا يكفون عن المعاصي و الآثام، أما ذرية سيدنا إسماعيل فرغم عدم وجود نبي بينهم فكانوا أحسن حالا وأكثر إلتزاما، اختار الطاعة معظمهم، إلى أن جاء من كانت نفوسهم تشبه العصاة فعصوا ..
الأمر إذا بأيدينا، و هذا شيء مخيف..
#أمنية_طائرالرخ
#مراجعات_الرخ