من أشهر الكتاب الروس هو فيودور ديستوفسكي ...ونحن هنا لسنا بصدد الكلام عنه ولكن بصدد الكلام عن عملين من أعماله ... لكن قد يفيدنا في فهم أعماله أن حياته كانت زاخرة بالآلام من ناحيه المرض (فقد كان يعاني من الصرع) ومن الاعتقال ...بل أنه صعد على منصة الإعدام فعلا وتم العفو عنه في آخر لحظة وتبديل عقوبته بالأشغال الشاقة...قد يفسر هذا تعمقه واطنابه في وصف المشاعر القوية خاصة الحزينة الكئيبة منها..

عندما تقرأ له...أو تسمع ...ستشعر بأنه يكتب مقالا عن أفكاره و معتقداته وتحليلاته النفسية في شكل قصة ...و ليس –كعادة الكتاب- قصه تحتوي على بعض آراء الكاتب...إنه يضع روحه كلها فيما يكتب ..وليس ملخصا لها...لذلك من الممكن أن تلخص أحداث القصة التي يكتبها في سطرين...لكن لن تستطيع تلخيص الأفكار والمشاعر التي ذكرها مهما حاولت...فكل فكرة يمكن التحدث عنها في كتاب منفصل....

ادإن أعمال ديستوفسكي أثرت بتسكين الثاء و تشديدها....الأدب المعاصر في أنحاء العالم ...فأشهر رواياته تم تحويلها الى أفلام...ونضرب لذلك مثلا الفيلمين المصريين ...الجريمة والعقاب عن روايته التي تحمل نفس الاسم ...والأخوة الأعداء التي أخذت عن رواية الأخوة كارامازوف..

وهذا ينقلنا للرواية الأولى في حديثنا ...الإنسان الصرصار ...عند سماعي لهذه الرواية لم أستطع الا أن أتخيل محجوب عبد الدايم (حمدي أحمد) في فيلم القاهرة 30 الشهير...إن أحداث القصة مختلفة تمام الاختلاف...لكن فقر وضعة وحقارة وحقد وحيرة شخصية الرواية وحديثه لنفسه يشعراني بنفس الادإحساس ونفس الخليط الغريب من المشاعر...

الرواية تحكى على لسان بطلها ...في مذكراته...وإن كانت كلمة بطل تستخدم للدلالة على أنه الشخصية الرئيسية ...لا على أنه يمتلك أي صفة من صفات البطولة ...يصف فيها نفسه أولا بمنتهى الأمانه والصراحة...و إن شعر بأنه يتجمل أو يذكر شيئا لتبرير فعله وتفكيره ...فإنه يعود للاعتراف بعدم صحة ما قال...بطل القصة ماسوشي ( نفسيا) يتلذذ بعذاب نفسه وجلد ذاته وإيجاد نية سيئة لكل أفعاله حتى التلقائية منها ...وفي نفس الوقت سادي (نفسيا أيضا) يتلذذ بعذاب الآخرين عندما تتاح له الفرصة ...و نادرا ما تتاح..

صعوبة الشخصية ونفورك منها مبعثه هي أنها جمعت كل النواقص ...وكانت صريحه بحيث أنك ستجد ملمح منها في نفسك...خاصة إذا كنت من محبي جلد الذات ...ففي حديثه عن نفسه ستجد بعض أفكارك التي خطرت لك في أحد الأوقات وطردتها لأنك لا تحتمل أن ترى نفسك بهذه الضعة..

أظهر ديستوفسكي في هذه الرواية أفكارا عديدة من ناحية الفقر والحب و الزواج والشرف والشجاعة والخسة...وإصراره على أن يحكي عن ظروف الشخصية الصعبة في مضمون الأحداث و ددون القول بشكل مباشر أنها السبب فيما وصل إليه البطل من حقد وغل ...يجعلك تتفهمه لكنك لا تحبه ولا تتعاطف كثيرا معه ...على العكس من الكثير من الأعمال التي تجعلك تدعو للمجرم بالنجاة لتعاطفك معه :D

وإن كانت هذه الرواية غاصت في نفس الادإنسان ...فإن روايتنا الأخرى غاصت في معنى الانسانية كلها...روايتنا الأخرى هي (حلم رجل مضحك)...بطلها رجل أراد الانتحار ونام قبلها فحلم بأنه انتحر وانتقل لعالم فيه البشر أنقياء...لم يلوثهم شيء...فنقل إليهم...وكأنها عدوى...تعاسة البشرية...دون قصد ...وجلس يرصد تطور الأمر حتى وصلوا إلى حالنا ...فرثى لهم وشعر بالذنب تجاههم رغم حبه لهذا العالم الملوث لأنه ما اعتاد عليه..

في هذه الرواية يهاجم ديستوفسكي بعض الأفكار المترسخة في تاريخ الإنسانية...مثل أن السعاده لا تأتي إلا عن طريق الألم ...وأن المعرفه تؤدي إلى السعادة..و يشكك حتى في مدى جدية البشر في البحث عن السعادة والسلام والرغبة فيهما ....

لكل محبي الأفكار العميقة والتشريح الدقيق للنفس البشرية المعقدة...أنصحكم بقراءة الأدب الروسي ...أو سماعه..

😊

#أمنية_طائرالرخ

#مراجعات_الرخ