السرعة القصوى صفر > مراجعات رواية السرعة القصوى صفر > مراجعة شريف مصطفى

السرعة القصوى صفر - أشرف العشماوي
تحميل الكتاب

السرعة القصوى صفر

تأليف (تأليف) 4.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

"السرعة القصوى صفر.. اختلاف المعتقدات لا يُفسد طموح الخراب"

يولد الإنسان مجبرًا على هويته، مجبرًا على اسمه، وملامحه، وأهله، لا توجد وسيلة كي يتميز عن غيره سوى بالأفكار، الفكرة وحدها هي من تخلق ذاته، تشعره بالقيمة والتأثير، ولكن كثيرًا هذه الفكرة تتجاوز فرحة التميّز عن الآخرين، وتبني حدودًا، وتبدأ نزاعات لا تنتهي حتى آخر أيام الكون.

في كل زمان ومكان تحدث مثل هذه الخلافات، والاختلافات، لا تسلم الأطراف من شرورها مهما بدت الإنجازات تتحقق كل لحظة، وفي صفحات هذا النص نعيش هذه الحالات في بدايات القرن العشرين حتى منتصفه تقريبًا على أرض مصر، ونرى ونتأثر بكل ما يحدث.

تبدأ صفحات الرواية بافتتاحية بديعة لخبر إذاعي، مجرد نافذة كالتي ننظر من خلالها دون رؤية أي تفاصيل، مهّد النص باحترافية للفارق بين البعيد والقريب، الصورة والأصل، ما يُذاع وما يحدث، إلى أن تعرفنا على شخصية تُقهر، وهذا القهر يتفرع لجذور وأطراف باقي الصفحات والحكاية.

استطاع الكاتب بسرد عبقري، ولغة مناسبة رائعة، تقديم شخصياته والحدث، تعرفنا على شخصيات حية أمامنا، لكلٍ دوافعه ومبرراته. يدور النص بشكل أساسي على الأخوين التوأم "شكري" و "فهمي"، ونعيش مع كل منهم لعبة اختلاف المعتقدات والأصول بكل الحلو والمر: الانغماس وسط جماعة الإخوان المسلمين، السُلطة التي لا حدود لها، الظلم والعقاب على جرائم لم ترتكب، نزاع فكري ودرامي وعقلي بين هذين الشخصين اللذان يتغيرات مع الوقت، وتتشكل ملامح جديدة وأفكار تجمعهما أحيانًا وتفرقهما كثيرًا.

ورغم براعة تقديم الشخصيتين إلا أن شخصية "فايز حبشي" في رأيي كانت الأروع؛ شخصية ذات ملامح جديدة، شخص له صوت على الإذاعة يصبح به صاحب سُلطة، وأحيانًا يكون هو المحور لكل ما يحدث، وتنوعت الشخصيات بين مَن هو قوي وصاحب قرار، وبين شخصيات مُنساقة تتجنب هذه النزاعات والاضطرابات مثل شخصية "أمينة".

تدور الحكايات في أزمنة متنقلة، وهذا التنقل تم بمنتهى السلاسة والإحكام، فقد نسج الخط الزمني ببراعة، يزيد من جرعات التشويق باستمرار، دون حدوث أي تشويش للقارئ، أو فقدانه لصورة النص كاملة.

الواقع أن السُلطة تولّد الخلاف والنزاع، وهذا لا يحدث فقط بين البشر، وإنما كذلك بين الحيوانات، وقد استغل ذلك النص في تقديم أكثر من حيوان بصورة حية، وهذا أعجبني كثيرًا؛ فقد زاد الربط بين طموح وتجبر الشخصيات، كما أعطى للنص هوية خاصة، وروح مختلفة، ظللت أتساءل كيف يصبح صيد أرنب جريمة تلفت الأنظار لمجرد أنه حيوان سريع؟! وكيف لحيوان ضخم قوي كالفيل يتّسم بهذه السلمية ولا يأكل سوى العشب؟! ومع كل هذا الاختلاف هل بالفعل يمكن أن يحدث فارق عندما تجري بسرعة الفيل أو سرعة الأرنب؟!

هذا نص لا فرار من الارتباط بعظمته، ارتبطت بكل ما فيه، ومما ساهم في ذلك لغة الحوار ولهجته العامية المصرية، شعرت أنها تخرج من الشخصيات الحية أمام عيني، رأيتهم يعبرون بنفس الألفاظ، وقدّم الروائي لهجة مناسبة للفترة الزمنية، وسلسة تزيد من التعمق في الأحداث والشخصيات.

المدهش في هذا النص أن كثير من الأعمال الأدبية والدرامية تناولت هذه الفترة، وشخصيات مثل"حسن البنا"، و "جمال عبد الناصر" ، لكنه استطاع بالفعل أن يحوّل التراب إلى ذهب، تناول التاريخ بعين مغايرة من أعماق الشخصيات وجعلني أنظر من خلال عيونهم، أصبح التاريخ ليس مجرد خلفية، وإنما مندمج مع سير الرواية، دون أن يصبح النص مجرد تكرار للأحداث التاريخية بصورتها كما قرأناها وسمعناها.

عمل أدبي ثري وعظيم، ملحمة أدبية روائية جبارة، ملحمة من الدراما، والمشاعر، والحب، والكره، والغضب، والذل، والسُلطة. نص يأسر وجدان وعقل القارئ، فريد في تفاصيله، ويستحق أن يكون مرجعًا ومعيارًا للأدب الراقي، والبناء الأدبي المُحكم، والمتعة الأدبية الخالصة. في رأيي حقق نظرية "موت المؤلف" بامتياز، فلم أرى أو أشعر بصوت الكاتب على الإطلاق، رغم صعوبة هذه القضايا وتقديمها من الكاتب مسيطرًا على أفكاره الشخصية، فجنّب ذاته بعيدًا، وكان صادقًا، محترفًا، في نسجه لخيوط الرواية، فظهرت النتيجة بهذا الشكل المبهر في طالعه وجوهره وتفاصيله على هيئة ملحمة أدبية عظيمة فيّاضة بجرعات غزيرة من الفن والرقي والجمال.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق