مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعات رواية مَنّا : قيامة شتات الصحراء > مراجعة Rahel KhairZad

مَنّا : قيامة شتات الصحراء - الصديق حاج أحمد
تحميل الكتاب

مَنّا : قيامة شتات الصحراء

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

هل كان حلم الإستقلال أم الإستغلال؟

تتحدث الرواية عن شعب التوارق وما عاناه خلال عقود عن طريق إيضاح حلم منقول عن كتاب أسمه "التبر المنسي في أخبار صحراء تليمسي" وتأويله ومنه تتضح لنا العديد من الأحداث والمعلومات التاريخية عن شعب للأسف مهضوم حقه ووطنه، ففي حين أن عام 1973 معروف لدى الجميع بحرب أكتوبر المجيدة نجد أن هناك عرب آخرين كانوا يعانون أشد العناء لم يعلم عنهم أحد شيئاًوقتها، ولا تناقل الناس أخبارهم.

فتبدأ الرواية المكونة من خمس فصول في عام 1973 بالهجرة لشعب التوارق هرباً من الجفاف والمجاعة. صحيح أن عام 1972 مهد لهم هذا القحط ولكن العام الذي تلاه كانت ال "مَنَّا" كما يطلق عليها التوارق وهي الجدب والقحط أكبر مما يمكن تحمله مما أدى إلى هجرتهم تجاه الشمال ناحية "برج باجي مختار" في الجزائر هرباً من الموت الذي شحذ أنيابه عليهم، وخلال هذه الرحلة نعاني معهم ما عانوه من قلة في الزاد والتعداد حتى أنهم ابتدعوا صنوفاً جديدة من الطعام يتغلبون بها على سعار الجوع بالإضافة إلى إفتقادهم لمجالس الشاي التى اضحى القيام بها نوع من الإحتفال .

فيما يلي نرى "بادي" بطلنا ضمن أسرى معتقل "أنصار الإsرائيلي" في لبنان لإنضمامه بعد نزوحه نحو الجزائر بما يقرب ال10 أعوام لجيش "معمر القذافي" ليحارب معه بالوكالة في حرب صحراء العرب الوسطى لتحرير فلسtين تحت قيادة "أحمد جبريل" إذ لم يكن من الرحيل بد في ظل البطالة التي واجهتهم كما قال "لقد عانينا التشومير بكل أصنافه وألوانه، حتى من تجنّس، واكتسب الجزائرية بقدرة قادر، ليس له تحصيل دراسي فرنسي مالياني أو عربي جزائري خلال تلك الفترة ‫ الأعمال الخدماتية المتمدّنة هنا، لا صلة لنا بها، ولا نقوى عليها صراحة، لغلبة طبع البداوة علينا، حرفتنا الوحيدة التي تعلّمناها في أزوادنا، هي الرّعي، وفقدناها بانقراض مواشينا بتلك الربوع والمضارب ‫ شوفتنا الوحيدة، والحال كما تُرى؛ يقول بادي. أن نسافر للجماهيرية العظمى، ونمتهن الرعي بوديان وسهول ليبيا، بعدما جادت علينا أخبار مطمئنة، عن توافر الرعي و المواشي هناك" هذا بالإضافة إلى سعيه خلف حلمه بوطن جديد مستقل بعدما صدق مع غيره خطاب "معمر القذافي" الرنان عام 1980 حين وعدهم بوطن أزوادي خالص إن هم ناصروه وأنضموا لجيشه . فيقابل في المعتقل اصناف من التعذيب وسط مستقبل مبهم لا يرجى منه طائل إلى أن يدفعه حظه الجيد رغم كل ما كان لمبادلته ضمن معاهدة لتسليم أسرى إسرائlين.

تناولت الرواية بعدها ما حدث من فجيعة فقد أكبر حينما وصلوا الجزائر نتيجة إصابتهم بال "بري بري" حينما تعاملوا بفطرتهم فحدث ما حدث ثم وبعد الأسر إنضمامه ثانية لجيش "القذافي" طمعاً في حلم الوطن حتى أن الجميع صار يردد عليهم مقولة "هل يقتل الطامع إلا الكاذب" علهم يعودوا لرشدهم ويبصروا ما غشى عليهم. حتى كاد "بادي" يقتل حينما أُسر للمرة الثانية على يد "التشاد" في حرب "اوزو" مع من قُتِل من أترابه ولكنها مشيئة الله وعنايته التي حادت به عن هذا المصير حتى عاد للقذافي مرة أخرى ليجد هو ومن معه حلمهم أضحى سراب جراء مماطلة "القذافي" لهم ليقرروا أخذ حقهم بالقوة والقيام بثورة جديدة للأزواد بعد التي تمت عام 1963 والتي استمرت حتى يومهم هذا.

جاءت الرواية على لسان راوي عليم بالإضافة إلى "بادي" بطل الرواية وقبيلته من الطوارق وقد تجلى شعورهم بالتشتت والضياع لأقصى حد على لسان "بادي" حين قال "لم تمهلنا الأيام كثيرا، حتى صفعتنا الأقدار السماوية ثانية، ما إن استفقنا من ثورة الغَضْبة، حتى غدر بنا الجفاف على حين غرّة، فغُسلت من أدمغتنا؛ فكرة البقاء، انطلقنا تائهين في أرض الله شتاتا. وبدأ حلم وطننا يتأرجح على على سنامها كالهودج الرّجراج، صداعه المزمن لا يهدأ، يشقّق رؤوسنا، نبحث بهويتنا عن وطن بديل، يرضى بنا ونرضى به" . بعد هجرة بادي وعشيرته عام 1973 جراء القحط الذي ألم بهم من شتات وفقد حيث فقدوا وطنهم كما فقدوا الجدة "لولة" والطفل "هنون" وناقتهم وباعو ما تبقى معهم من جمال وحمير بما مقدار كيس من الأرز وأكفان حيث "لا شيء يدّخره النبيل؛ كالعِرض والستر، والكفن منهما".

يتجلى الماضي العريق للتوارق في الرواية بذكر تحدث الأعلام عنهم ك "أبن بطوطة" حينما قال "هم قبيلة من البربر، لا تسير القوافل إلا في خفارتهم، والمرأة عندهم أعظم شأنا من الرجل. هم رحّالة لا يقيمون، وبيوتهم غريبة الشّكل… ونساؤهم أتم النساء جمالا، وأبدعهن صورا مع البياض النّاصع والسّمرة، طعامهم حليب البقر، وجريش الذّرة" . كما وصفهم "أبن خلون" قائلاً: "هم أوفر قبائل البربر، لا يكاد قطر من الأقطار، يخلو من بطن من بطونهم، من جبل أو سهل، وقد أطلق عليهم اسم صنهاجة الملثمين، كونهم يضعون على وجوههم لثامًا، تميّزًا لهم عن غيرهم من الامم".

يتضح لنا من خلال العمل بشاعة ما قام به "القذافي" في سبيل تحقيق حلمه حيث ذُكر على لسان "بادي" "أمران فظيعان وقعا في تلك الحرب.. أولها؛ الزجّ بالتلاميذ والطلبة فيها بدعوى خروجهم من عند أهاليهم ومدارسهم؛ أنهم ذاهبون لحملات التشجير، ثانيها؛ دفع أهل البوكار إليها بإغواء مكافأة وطن الأزواد". فقد جاوز القذافي الحد في هذا الأمر مما جعل الجيش غير ملائم وأدى لهزيمته الساحقه وزهق الكثير من الأرواح وأسر ما بقى منهم في سجون مصنفة بالدرجه صفر وما عانوه من تعذيب بجروح متقيحه وفئران وقمل وغيرهم الكثير وهو ما جعلها تجربة اسوأ من سابقتها عند بادي بعدما فقد كل اصدقاؤه بها.

كانت قصة حب "بادي" و "هُكتا" هي ما يضيف جواً من الأمل في الرواية خاصةً مع هيامه الشديد بها وتسميتها كل مرحلة بأسم أخاذ حتى أنه وصفها قائلاً ذات مرة "كأن المَلك، تمهّل كثيرا، ونسي نفسه من وقته المعلوم في رسم بديعها ونقش حروفها، ويا سُبحان المُصور!!"

شعرت بإنجذاب وشفقة معاً على هذه القبائل العظيمة بعدما رأيت إعتزازه بموطنه الصحراء كما قال "بادي" "وربّ الكون. لولا جدب الأرض وهلاك المواشي، وتراكم الغُبن المسلّط علينا من حكومة باماكو، ما أتينا هنا، حتى لو أُغرقنا بالتِّبر والذّهب، أي والله. أقولها وأكرّرها. لا شيء يعدل، آنية الحليب برغوتها الطازجة من الضرع، وطقس تربيعة شراب الشاي بجلسة الخيمة، ومواش ترعى حولها عند إنسان الصحراء" وبدائيته العزيزة على قلبه وعدم تكلفهم فكانوا مصدراً للنقاء في نظري حتى أنهم بعد نزوحهم لجبال برج باجي مختار وتلقيهم الإعانات والمعلبات لم يعرفوا كيفية إستخدامها أو طهيها مما أدى لإصابتهم وتفشي الموت فيهم أكثر من المجاعة التي سبقته لولا تدخل الجزائر السريع وإمدادهم بالقوافل الطبية وتقديم الطعام مطهو حرصاً على سلامتهم.

تكرر ذكر دور الجزائر في نجدة لتوارق أكثر من مرة سواء في احتوائهم وتركهم يقيموا عششهم في ارضها أو منحهم الجنسية او إمدادهم بالإعانات والقوافل الطبية مما جعل ذلك واضحاً حين وصفها الكاتب ب" الأم" و "المولاة" في أكثر من موضع.

بالرغم من تصنيف العمل كعمل روائي الا أن الغالب عليه السرد فيكاد يكون الحوار معدوماً وهو ما جعله أشبه بكتاب فشعرت أن كل ما كان يطمح له الكاتب أن يسجل تواريخ وأسماء وأحداث ما مر به هذا الشعب العريق في محنته والتي جعلتني أبحث ورأها وهو أمر رائع في أي عمل ان يجعلك تبحث وتستزيد وبالرغم من حصول الشعب على وطن في عام 2012 إلى انه مهمش في الحقوق السياسيه وهو ما جعل نضالهم مستمر حتى الآن. ومما عزز ذلك الشعور لدي تأويل حلم بادي بأن وطنهم ما زال على هدوجه يترنح لأنهم ما زوالو يناضلوا حتى الأن.

مما كان لي مأخذ عليه في الرواية طول السرد في بعض المواضع مما جعل الأمر يسير بوتيرة بطيئة أثناء القراءة .

كما كتبت الرواية بلسان التوارق وهو ما شكل تحدي كبير لمن لا يلم بلغتهم حتى مع البحث في المواقع والكلمات فكنت أحبذ لو كتبت الرواية باللغة العربية الفصحى حتى يسهل قراءتها او عمل هامش لمعاني الكلمات على اقل تقدير حيث كان يكتفي بإيضاح الكلمات في بداية ذكرها فقط في اول الرواية مما يجعل معاني الكلمات تلتبس أحياناً، كما أني اعتقد ان اللغة حدت من إنتشار الرواية وفي رأيي رواية كتلك تستحق القراءة لتمجيد هذا الشعب الرائع.

وفي الأخير وددت لو ذيل الكاتب العمل ببعض المصادر التي حصل منها على معلوماته حتى تطمئن سريرة القارئ لصحة المحتوى التاريخي للرواية أو إستكمال البحث إن أراد التبحر في تاريخ التوارق.

اقتباسات أعجبتني:

- ليس أشدّ على المرء، من مغادرة مضارب طفولته قهرا.

- مجيء الموت بالتقسيط، أهون من هجومه المباغت.

- أحلامنا - نحن أهل الأزواد – تتنقّل معنا عبر شتاتنا المزروع بكامل جغرافيا الساحل والصحراء الكبرى، شبح الوطن يطاردنا في كل مكان.

- أرواح فَنتْ، أجيال هلكتْ.. لا شيء يجعل الإنسان، يتشبّثُ بأهداب الحياة الرّثة هنا؛ غير الأمل والحلم.

- حين يفقد الإنسان صحّته ويخونه جيبه، لا شيء يشغله داخليا ويقارن ذاته بالآخر؛ كالخواء والامتلاء في الصحّة والمال.

Facebook Twitter Link .
8 يوافقون
6 تعليقات