غدي الأزرق > مراجعات رواية غدي الأزرق > مراجعة حسين قاطرجي

غدي الأزرق - ريما بالي
تحميل الكتاب

غدي الأزرق

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

في عالم الروابط البشرية، هناك القليل من الأشياء التي تعدّ أقوى من رباط الحب، أولها قوة الصدق، وثانيها الإخلاص القادر على مداواة الجروح، وإضفاء البهجة على قلوبنا، وخلق اتصالٍ غير قابلٍ للكسر بين روحين. من ناحيةٍ أخرى، يمكن أن يكون ألم العزلة والوحدة مدمّراً، إذ لايوجد شيءٌ أكثر حزنًا من الشعور بالبعد والانفصال عن أولئك الذين نهتم بهم. تختبر ريما بالي في روايتها “غدي الأزرق” تلك القوى النقية، التي لا يمكن أن يكون الحصول عليها سهلاً.

ندى بطلة الرواية، امرأةٌ طموح، كافأها زوجها -الوزير المتنفّذ- على حبها واخلاصها بأن قلب حياتَها وخماً موبوءاً، فهربت من جحيمٍ يستتلي جحيماً إلى باريس حيث مظنّة الدعة والسكينة. تتطوّع ندى هناك في مركزٍ لمعالجة المصابين بالإيدز وفيه تتعرّف بسيدتين توأم. لكنّ المواءمة بينهما لاتجعل منهما شبيهتين إلا بالشكل-ربما- لأنهما في شخصيتهما على طرفي نقيض. وتكرّس ندى حياتها الجديدة لكشف سرّ التوأم المخبوء.

تعرض الكاتبة قضيّة الشهيد “غدي” بن ندى المتطوع في منظمة الهلال الأحمر السوري والذي يموت مرتين؛ مرّةً في سبيل قضيةٍ آمن هو بها، ومرّةً بسبب تجارة أبيه بدمه، كما تقدّم لنا صورةً مغايرة ومراوغة عن الحبّ تكسر به مفهومه التقليدي؛ وتصوّره بأنّه الفداء الأول في هذا العالم الساقط، وهو -أي الحب- قاتلٌ وضحيّةٌ في آنٍ معاً: حبّ ندى لزوجها كان مَهلكةً لها، وكذا حبّ الأختين التوأم لبابلو دمّر حياتهما، وفي دائرةٍ أوسع حبّ غدي لوطنه وشعبه أفقده شبابه وكأنه كان يحيا في حياةٍ زُوْر.

نرى الحرب الضروس التي كَرَثَت البلاد في أعوامٍ من النكبات حاضرةً في خلفية المشهد وتلوح دوماً في أفق الرواية وأحداثها، وهي السبب الأول للأحزان المركوزة في الغور العميق من أنفس الشخصيات المحورية، وأرى في شخصية نبيل زوج ندى -رغم مساحته الضيقة في الرواية- محطّةً تستدعي الوقوف، وربما أرادت الكاتبة أن تقول من خلاله موقفاً ورأياً أوجزته في شخصية هذا الرجل القطوب العابس الذي يحرمه حبّه للمنصب والسلطة من ممارسة اللين والإخاء، حتى وإن كلّفه ذلك خسارة الأحبّة الذين يجعلون من الحياة ورديّة اللون.

في الرواية لقطاتٌ موحية تتبعثر في نسيج النص في حريةٍ وانطلاق يوحي للوهلة الأولى بالتفكك والعشوائية، ولكن بعد التعمّق في أحداث الرواية وتفاصيل الشخصيات نراها ترتبط ارتباطاً عضوياً وتتماهى مع الموقف الروائي العام بشكلٍ وثيق حيث تلتقط الكاتبة “ريما بالي” خيوط الأبعاد الدرامية وتنسج منها نصّاً متيناً يُعنى بأوجاع الناس الذين ينهارون تدريجيّاً من الداخل.

ثيمة الرواية الأساس العلاقات الهشّة التي ترتكز في ظاهرها على أسسٍ متينة ولكنها في الواقع علاقاتٌ باهتة مهزومة، بها عوزٌ صميمٌ للإصلاح أو الترقيع. من ذلك علاقة الأختين إيفا ومارتا، والزوجين ندى بنبيل، ونبيل بوطنه وابنه، وبابلو مع الأختين التوأم.. كما يمكن النظر إلى الغربة باعتبارها ركيزةً تضمّنتها الرواية: لا أقول الغربة عن الوطن فحسب؛ بل جنوح النفس إلى الغربة والاستيحاش بعد انقطاع العلاقة مع الأحباب.

يغلب على الرواية قلة الحوار وغلبة السرد، وتستخدم الكاتبة لغةً سلسةٍ غير متكلفة، وتبدع -أكثر ما تبدع- في الوصف الدقيق للأشخاص والأماكن والبيئة، ولا تكتظ الرواية بشخصياتٍ كثر، بل تجعلهم كلّهم فاعلين في الأحداث، ورغم أنهم ينتمون إلى ثناياتٍ متباعدة جغرافياً واجتماعياً؛ لكننا نشعر بالتقارب فيما بينهم وكأنهم يتنفّسون أنفاس بعض.

صدرت الرواية عن دار الآداب عام 2018 وتقع في 256 صفحة من القطع المتوسط، وهي بالمجمل رواية جديرة بالقراءة تروي سيرة الخير الذي يجعل الحياة سعادةً خالصة، ونقيضه الشرٌّ الذي يعرّي عالماً شرساً تهيمن فيه جثثٌ غادرتها أرواحها..

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق