كَتب خيري شلبي رواياته بغلة العرش بقلبه اولًا قبل أن يخَطها بقلمه على الورق بعدما طاردته كثيرًا من الستينات حتي أصبحت حقيقة فى التسعينات اخيرًا عندما توحش الفساد و انتشر و عربد فى البلاد و من هنا جائت الميثولوجيا المصرية فى اسطورة بغلة العرش التي طالما كانت تحكيها له والدته لميزجها خيري مع واقعنا الحديث ليرسم منها لوحة فنية عن واقع لم يتغير كثيرًا فالرواية كأنها كتبت فى يومنا هذا فقط مع أختلاف الاسماء و السياسات من سياسة الانفتاح التي اتبعها السادات حتي فهلوة عصرنا الحالي و فسادة الذي من التبجح أنه اصبح على الملأ بدون أن نشغل بالنا بأسم اقتصادي لنجمله و البغلة تاتي اسطورتها من سؤال " لماذا نحن فقراء مع أننا من أصل عريق؟ ولماذا بعض الناس أثرياء مع أنهم من أصل وضيع؟" هكذا كان يتسائل خيري فى طفولته و هكذا لا زلنا نتسائل حتي الأن.
جاءت عناوين الفصول مُوزَّعةً على وزنين صرفيين في هذا الكتاب، الأول وهو " مفعل" وهو مشتق في الصرف العربي يُستخدم للدلالة على مكان أو زمان الفعل، وتأتي دلالته هنا في رغبة الكاتب لتوثيق وربط الحيز الزماني والمكاني للفصول بالعنوان؛ ليُهيَّأ القارئ لما هو على وشك الغوص فيه.
ثم يأتي الوزن الثاني "فعلل" وهو للدلالة على معنى الصيرورة، أي تحويل الشيء من حالة إلى حالة أخرى، وهذا يفسر رغبة الكاتب في إحداث تغييرات تحولية في أغلب الفصول، لأن النسبة الأكبر عُنونت بكلمات مشتقة من هذا الوزن و جائت كالتالي "مسألة / زلْزَلَةْ/ مَشْغََلَةْ /خَلْخَلَة /زَغْلَلَة /بَهْدَلَةْ /شَعْلَلة /مَنْزِلَةْ /مَعْيَلَةْ /مَهْزَلَةْ /مَرْجَلَةْ /دَهْوَلَةْ".
بغلة العرش هى وعد بالثراء ترسلها السماء للموعود فى ليلة القدر من كل عام! محملة بالذهب و عليها رأس قتيل و لتأخذها لابد أن يرضي بالرأس أيضًا و يدفنها فى بيته و هكذا رضيت بخيرها و شرها و من هنا يتجمع أهل القرية عند المصطبة لتبدأ حكايات و نميمة عن كل من جائتهم قبلًا و كيف أنهم من أكثر الشخصيات كذبًا و وضاعة و حقارة فى حين أن الأخيار يعانون فى شقاء و جهد يوميًا فهذا الثراء بدون مقدمات الذي همش الكثير من ابطال الحروب السابقة و الموظفين و القادحين و فتح الطريق للفاسدين و المخادعين و من هنا نسمع حكايات الأفراد و أحقية كل واحد منهم فى أن تأتيه بغلة العرش.
حكايات تمت بها تعرية المجتمع المصري و فساده و ظلمه فلم يحاول خيري ان يُجمل منه اطلاقاً و انتقد بشده عصر السادات و شخصه لانه هو من أدخل هذه السياسة على البلد و منها بدأ كل شيء فطالما أرتضيت ان ترمى نفسك فى حضن امريكا فمصيرك أن تكون بغلة لكن فى ساقية تدور حول نفسها محملة بالديون و الجهل و ليس بالذهب و العزة.
فصل "مَعْيَلَةْ" من أغني الفصول تكاملًا و وصف لواقع مصر الحاضر و المستقبل، فصل لو فقط تم قراءاته من قبل المسئولين بدون أن يرهقوا نفسهم فى نظريات اقتصادية و سياسات لا يفقهون عنها شيئًا لكان غيروا فى قرارتهم الهوجاء الطائشة و مستقبلنا المظلم.