ماكيت القاهرة > مراجعات رواية ماكيت القاهرة > مراجعة ناصر اللقاني

ماكيت القاهرة - طارق إمام
تحميل الكتاب

ماكيت القاهرة

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

ماكيت القاهرة ... ذلك الصرح المهيب

أولا ... طارق إمام وماكيت القاهرة

عندما يتفوق الأديب على عصره، ويعلن لزمانه عن نفسه، ويكتب ملحمة أدبية تتخطى مفردات اللغة وتذيب دلالات العبارات وتقفز فوق محددات المعاني، ثم تقتحم شرائح من أزمنة مبعثرة تتناثر فوق مكان واحد، هو مسرح الأحداث، الذي تولد به كل الآلام، وتحتضر فيه كل الأحلام، التي كانت، والتي لم تكن قَطّ.

الأديب المبدع "طارق إمام" وروايته "ماكيت القاهرة"، هذا هو العنوان وتلك هي الحكاية.

طارق إمام هو واحد من أهم أدباء مصر في القرن الواحد والعشرين، ويتردد اسمه كثيراً في المحافل الأدبية المصرية والعربية، وفي العديد من المحافل الدولية، مكتبة طارق إمام شديدة الثراء، مليئة بالأعمال الأدبية البديعة، سبع روايات مبدعة وخمس مجموعات قصصية ممتعة، ورف مزدحم بالجوائز المصرية والعربية والدولية، جائزة الدولة التشجيعية، وجائزتي ساويرس، وجائزتي وزارة الثقافة المصرية، وجائزة سعاد الصُباح الكويتية، وجائزة متحف الكلمات الأسباني (متحف الكلمة)، نلحظ بوضوح النهج التجريبي الواثق الذي تبناه طارق إمام في أدبه، كما نجد أعماله كلها تحفز عقل القارئ وتداعب وجدانه، ... وكذلك تحرك قلمه.

روايتنا الرائعة "ماكيت القاهرة" هي صرح أدبي من نوع فريد تتجاذبها تيارات شتى وتحاول ضمها إلى صفوفها، وهي تأبى، وعلى الرغم من عدم ولعي بالتصنيف الأدبي، لست أدري لماذا استفزتني هذه الرواية عندما قرأتها، ووجدت نفسي مدفوعاً أحاول أن أصنفها أفقياً ورأسياً، في التصنيف الأفقي وجدتها تتوزع بين الرمزية بسحرها والبرناسية بجسارتها والسريالية بعجائبيتها وعوالمها اللامحدودة، وفي التصنيف الرأسي وجدتها تتسربل بفلسفية جامحة، وسيكولوچية متوغلة، وأنثربولوچية حائرة.

عندما بدأت قراءة الرواية، سرعان ما وجدت نفسي في عالم مُبهَم، إنه يشبه عالمنا، تابعت القراءة، وبعد لحظات أدركت أنه عالمنا بالفعل، انتابتني أحاسيس ومشاعر ملتبسة من المتعة والحيرة والرهبة، وداهمتني أفكار ورؤى مرتبكة من الرفض والفهم والتجاوب، اضطربْتُ وسَرَت في جسدي رعشة، مَن هؤلاء؟ هل نعرفهم؟ هل يعرفوننا؟ ربما هم آحاد ممن شهدناهم، ربما هم أكثر من ذلك، ثم هدأت قليلاً، ومضيت في القراءة.

خلق الكاتب عالماً تنتفي فيه كل قوانين الطبيعة التي نعرفها، الزمان والمكان والمقاييس والحركة، وتسوده قوانين طبيعة أخرى وضعها الكاتب، هو مكان واحد، مدينة واحدة، تغمرها شرائح زمنية مختلفة، تخلق عالماً يلفه الالتباس ويغشاه الخطر، ليس فيه مكان أو زمان آمن، فيجد القارئ أن أكثر المواضع أماناً له هو أن يظل جالساً بجوار الراوي، ولكن سرعان ما سيجد نفسه متورطاً في الحركة والمكان وهائماً في كل الأزمنة.

الرواية مكتوبة بلغة أدبية بديعة، وقاسية، لغة تبعث نشوة القراءة التي تشوبها رهبة الإقبال على المعرفة المؤلمة، لغة تثير شجون الإدراك والفهم وتخلخل صخور الحكم واليقين، لغة تُمدد مسافات الوديان وتُعلي قمم الجبال ثم تحلق فوق السحاب، لغة تجذب القاري بعيداً وترفعه عالياً، تجعله ينظر من أعلى، تخرجه من واقعه الثقيل إلى واقع أثقل، هو نفس واقعه، بعد أن أزال مساحيق الخديعة البالية وخلع رداء الزيف الباهت.

الرواية تطرح عشرات الأسئلة التي تبحث عن إجاباتها، كما تطرح عشرات الإجابات التي تبحث عن أسئلتها، ثم تترك القارئ حائراً يحاول أن يطابق الأسئلة مع الإجابات.

سأحاول في البوستات التالية استعراض بعض ملامح ذلك الصرح المهيب ... ماكيت القاهرة.

ثانياً ... شخصيات الرواية

عرفتنا الرواية بثلاث شخصيات رئيسية هم:

■ "أوريجا" (القاهرة - ٢٠٤٥)

فنان شاب مع سبابة قزمة، إصبع في يده لم يكبر ولكنه يطلق الرصاص، ويقتل افتراضياً أو واقعياً، يقتل بإصبعه وخياله، ويقابل "المسز" ذات الوجوه المتغيرة التي تدير إنترڤيو لمنحة صانع مصغَّرات، للعمل في مشروع "ماكيت القاهرة ٢٠٢٠"، ويقع عليه الاختيار لعمل "الديوراما"، يبحث عن نقطة بداية لبدء تنفيذ مشرعه، وينفذه، ثم تختفي القاهرة.

■ "نود" (القاهرة - ٢٠٢٠)

مخرجة شابة، مع رفيق مجهول داخل المرآة، ومع هواجسها، فهل الرفيق هو انعكاس لهواجس الحلم والألم، تحيا معه حياة افتراضية بها كل مفردات الحياة، العِشرة والصحبة والرفقة والجنس، بل والموت، فالحياة من حولها هي الألم،  تقابل "المسز" التي تدير إنترڤيو لمخرجة أفلام وثائقية، للعمل في مشروع "سينما الذات والجاليري"، ويقع عليها الاختيار في منحة "كايرو كام"، تبحث عن فكرة لبدء تنفيذ مشروعها، وتجد ماكيت القاهرة ٢٠١١، لتنسج منه نص ذاتي الانعكاس لعمل ميتا-فيلم وتنفذه، ثم تكتشف "نود" أن لديها نفس إصبع ابنها، تقتل به رجلها، رجل المرآة، ثم تختفي القاهرة.

■ "بلياردو" (القاهرة - ٢٠١١)

رجل يلتقط الأشياء من الأرض، مع عين مفقودة من وجهه، وعين حية عملاقة في كف يده، كانت هي عينه المفقودة ذاتها في شريحة زمنية أخرى، يقابل "المسز" أثناء هروبه، لقاء يتحول إلى إنترڤيو لرسام "جرافيتي القاهرة العنيف"، يقتلها، أو يقتل إحدى نسخها، ثم يكتشف أنها ما زالت هناك، يحيا حياة افتراضية في طول الرواية وعرضها، يعيش ميتاً، أو يموت عائشاً، ولم تختف القاهرة.

وخلال ذلك تعرفنا على شخصية مهيمنة في كل الأحداث والأزمنة هي: 

■ "المسز" (القاهرة - كل الأزمنة)

المديرة الفنية ل "جاليري شُغل كايرو / ساحة فنون المدينة"، امرأة بلا زمن، عجوز دائماً في كل أزمنة الرواية، والتي ربما لم تغادر غرفتها أبداٌ، ووجهها المُتَبدِّل كل حين، مع صورة ذات شارة سوداء تحمل وجه الطفلة التي ربما كانتها يوماٌ، والكتاب الرمز المرتبط بها والذي لا يَقْبَل إلا خط يدها، والذي يوجد منه نسخة لكل فرد، ذلك الكتاب الذي يتغير محتواه بتغَيُّر قارئه، "كأنه نزل خصيصاً من أجله وحده"، كتاب عجيب بتفاسيره وهوامشه وأسراره، هل "المسز" هي "الأنا العليا" للجميع، أم هي أعلى من ذلك.

ثم تعرفنا على شخصية جديدة (بعد انتهاء الرواية) هي:

■ مانجا (القاهرة - "بعد زمنٍ ما" من الرواية)

رسَّامة كوميكس، تظهر بعد انتهاء الرواية، تملك ذاكرتين، تقابل "المسز"، التي تدير إنترڤيو لرسَّامة في مشروع "تحدي ٢٤ ساعة كوميكس"، وتجد ماكيت القاهرة ٢٠٤٥، وتشاهد نسخ مصغَّرة كثيرة، ونماذج "المسز" بمقاييس متعددة، كما تشاهد قبراً للمسز بمقياس صغير، تجمع لنا كادرات الرواية، هل أنكرت أو رفضت أن يكون لها ذاكرتين، لكي لا تتكرر الشرائح الزمنية مرة أخرى، حتى نستطيع إنهاء حكاية لا تريد أن تنتهي، كي نبدأ روايتنا الجديدة.

ثالثاً ... أجزاء الرواية

رتبت لنا الرواية لقاءات افتراضية مثيرة، لقاءات لها زمان وليس لها مكان، أو هي لقاءات في كل الأزمنة وفي نفس المكان، في القاهرة، أو تحديداً في "جاليري شُغل كايرو"، وانقسمت الرواية إلى ثلاثة أجزاء: 

☆ في الجزء الأول

ظهرت الشخصيات والأزمنة وفصول الرواية لتصنع مصفوفة بديعة "ماتريكس"، جعلتنا نستطيع قراءة الرواية طولياً كالمعتاد، ونستطيع قراءتها عرضياً إن شئنا، بمعنى قراءة فصول "أوريجا" بالتتابع ثم فصول "نود" ثم فصول "بلياردو"، لنفهم الحكايات الثلاثة.

☆ في الجزء الثاني

سنكتشف عبثية ما كنا نفعل في الجزء الأول، عندما تلتقي خطوط الحكي، وتعلو دقات طبول الدراما، وتتقابل شخصيات الرواية، سنجد شخصيات تقفز داخل فصول شخصيات أخرى، عندها ستجبرنا "ماتريكس" الفصول والأزمنة على القراءة طولياً وعرضياً في نفس الوقت، وعندها ستتكشف العلاقات، فنجد أن "أوريجا" هو ابن "نود" و"بلياردو" ثم ندرك أنه ابن "نود" و"رجل المرآة"، ونعرف كيف تقابلت "نود" مع "بلياردو" وكيف أنجبت ابنها "أوريجا، وتتسارع الأحداث ويشتد اللهاث.

☆ في الجزء الثالث

سنكتشف عدمية كل الأحداث، وبعد فترة يتحول هذا الجزء إلى معرض مفتوح من الميتا سرد أو الميتا فيكشن، مراجعة وفرز للشخصيات الرئيسية ونسخ "المسز" الأربعة والشخصيات الثانوية في الرواية،  وتكتمل مشاريع "جاليري شُغل كايرو" في الأزمنة المختلفة، وتتحول "ماتريكس" الفصول والأزمنة إلى أبراج مراقبة، إلى متبادلات من المقاييس والأحجام، نجد في كل شريحة زمنية مقاييسها الحجمية الأكبر من الشريحة السابقة لها، تراقبها وتدهمها، ثم يأتي الفصل الأخير ليحل المصفوفة، ويجمعها في معادلة خطية بسيطة (أوريجا - نود - بلياردو)، وتتتابع السيناريوهات بتتابع المقاييس الحجمية، "أوريجا" الأكبر، ثم "نود" الوسطى، ثم "بلياردو" الأصغر، تبدأ الحكايات وتنتهي أكثر من مرة، نفس الحكايات، ولكن في كل مرة بمقاييس حجمية مغايرة، ومن برج مراقبة مختلف.

☆ في تعقيب ما بعد انتهاء الرواية

سنكتشف مع ظهور "مانجا" أن المعنى يمكن أن يكون بين أيدينا طوال الوقت من دون أن ندركه، سوف نتحقق من الثلاثة كادرات الرئيسية في الحكاية، كادر الطفل يلصق سبابته بجبهة رجل معتم الوجه، وكادر الشابة النحيفة أمام مرآة كبيرة، وكادر الشاب في وضع انحناء بعين مُصفَّاة من وجهه ويلتقط عيناً عملاقة مضيئة على الأسفلت، انتابتنا الرهبة، فمع ظهور العينين العملاقتين اللتين رأتهما "مانجا" لنفسها، أدركنا أنه ما زال هناك زمن آخر قادم.

في الدوائر الثلاثة التي رسمتها المسز للأزمنة كانت تمحو الدائرتين الكبرى والوسطى فقط، كانت تمحو دائرة القاهرة ٢٠٤٥ ودائرة القاهرة ٢٠٢٠، لكنها لم تستطع أن تمحو دائرة القاهرة ٢٠١١، هي غير قابلة للمحو.

رابعاً ... استرسال

الرواية ليست ديستوبيا مُطْبِقة، ولكن في فصولها تُطرَح الأسئلة وتُعزَف سيمفونية الفلسفة، فنشهد وصلات رائعة، عندما تداخلت الفصول وامتزجت الأزمنة، شهدنا أفلاطون (بكهفه وعربته وأمثلته) وسبينوزا (بوحدة وجوده) وكيركجارد (بموجوداته التي سبقت ماهيتها)، شهدناهم يجتمعون في غرفة واحدة، ولمحنا "بيركلي" بأطروحاته الحائرة وإنكاره وجود الجوهر المادي، وأن الموجودات ما هي إلا أفكار في عقول من يدركونها، ثم رأينا ثلاثية الرغبة والجدوى والفعل، وتساءلنا عن ثنائية الإرادة والقدرة، وعن معضلة الشر المجَّاني الذي يلف كل ثنايا المكان والزمان، وحاولنا أن نرتدي قُبَّعة المنطق وثوب الموضوعية وأن نكتشف حقيقة "منسي عجرم" وسره وتاريخه وكتابه.

لكن الفلسفة لا تقدم إجابات، بل تطرح مزيداً من الأسئلة.

لعلّي أستعير عبارة من الرواية تقول (أحد الفوارق الجوهرية بين الفيلم الروائي ونظيره الوثائقي، أن الأوَّل يُحوِّل الحكاية إلى واقع، فيما يُحوِّل الثاني الواقع إلى حكاية)، فأقول إن نفس هذا الفارق أيضاً هو بين الرواية والفلسفة، لكن طارق إمام قد مزج الحكاية والواقع مزجاً مؤلماً، جعل الأمر يختلط علينا ويوجعنا، في وصلات من أدب رفيع وتخييل بارع وفن ساحر وفلسفة كاشفة. 

يبدو أن طارق إمام يرى أن الزمان والمكان يُشَّكِلان نسيجاً واحداً هو الزمكان، الذي نعيش في طياته و انحناءاته، لذلك ففي روايتنا "ماكيت القاهرة" نجد لحظة الحقيقة هائمة بين أربعة أزمنة تقبع في شرائح مرصوصة فوق المكان، وقد التبس اتجاه الحركة المؤدي إلى نهاية الرواية، ولن نعرف الاتجاه الصحيح للحركة إلا بمعرفة المعنى المفقود.

كان طارق إمام يبحث عبر الإبحار في الأزمنة عن ذلك المعنى المفقود، والذي لن يأتي النهار إلا بمعرفته، والذي لن تُضاء دروب الحياة إلا بأنواره، مهما ألبسناها أثواباً مزركشة من المعاني والدلالات الزائفة، ستبقى ليلاٌ دامساٌ، ما لم نأت لها بالمعنى الحقيقي.

خامساً ... هوامش 

١) الميتا سرد

لا ينسى الكاتب أن يداعبنا بمقاطع ميتا سردية بارعة، عندما كان النص يعي ذاته ويدرك كاتبه وما يفعله في الرواية، ويقرر منحه استراحة محارب مستحقة، وجدنا إطلاق أسماء موحية مثل منسي عجرم، وليونيل مرسي، وهيلاري خميس، وزيد الدين زيدان، وذِكر مجموعته القصصية السابقة "مدينة الحوائط اللانهائية" في سياق الحكي، واللهو مع الجمل الاعتراضية في سياق الصياغة، ويعلو إيقاعه في الفصل الأخير عندما يقرر "أوريجا" مراجعة السيناريوهات المختلفة لمشهد دخول "نود" الشقة ومقتل "بلياردو"، وأخيراً يصل إلى ذروته عندما تذكر الرواية نفسها "رواية ماكيت القاهرة" (البالغ عدد كلماتها ٨٣،٠٣٨ كلمة) كأحد أعمال "جاليري شُغل كايرو"، يا له من خيال بديع، ويا لها من مغامرة جسورة.

٢) العبث

طوال قراءتي للرواية كانت تراودني تساؤلات عن انتماء هذه الكتابة الثرية، يأخذنا الكاتب تارة ناحية مسرح العبث ونزوق شخصيات "يوچين يونسكو"، وتارة أخرى ناحية الأدب السريالي وتذمر كتابات "ﺃﻧﺪﺭﻳﻪ ﺑﺮﻳﺘﻮﻥ"، ولكنه في الحالتين يأخذنا إلى مناطق جديدة خلابة، وفي كل الأحوال كنت أتذوق الطعم الأدبي والتجريبي البديع الذي تعودناه من أديبنا الرائع "طارق إمام".

٣) الزمن

يحاول الكاتب توضيح نظرته الخاصة للزمن واتجاهه الرأسي لأعلى عوضاً عن اتجاهه الأفقي للأمام، الزمن ربما يكون شرائح مرصوصة فوق بعضها على المكان، أو أن الزمن هو اللحظة الحاضرة فقط ولكنها مستعرضة بعرض الكون وتشكل الزمكان، وينحني نسيج الزمكان فيرينا الماضي والمستقبل، وأنا مولع بفكرة التلاعب بالزمن وبنظرية الفيزياء الحديثة عنه، وأرى أن الأدباء المُلهَمين قد أدركوا كُنْه الزمن في رواياتهم دون الحاجة إلى الإثباتات الرياضية التي تقدمها الفيزياء، وتسحرني الروايات التي تتماهى مع تلك النظرة والنظرية، حيث تتفتح منها آفاق لا تُطوَى وتنبعث منها متعة لا تنتهي.

٤) اللعبة

"بلياردو" هو اسم لعبة نطلق فيها الكرة إلى نقطة ليست هي المقصودة، لكن لترتد الكرة مرة أو مرات عديدة حتى تصيب الهدف، كان الكاتب يفعل ذلك طوال الوقت في فصول التساؤل وعلى طاولة الرواية.

٥) راكور

رواية مثل هذه هي شديدة الصعوبة في كتابتها، يحتاج الكاتب أن يحتفظ طوال الوقت بكل تفاصيله الدقيقة، ليس فقط بملامح الشخصيات وتدفق الأحداث وخطوط الدراما، ولكن أيضاً بملامح الشرائح الزمنية والأحجام المكانية المختلفة التي يستخدمها، وبتفاصيل نقاط تقاطع الحكايات والأزمنة، ومثل فيلم السينما عند كل "قَطْع" يجب أن يحفظ جيداً تفاصيل "الراكور"، لقد أبدع الكاتب في ذلك ببراعة شديدة، وأجلسنا في صالة العرض، نستمتع بدقة الراكور ونعومة المونتاچ.

٦) الصرح المهيب

تذكرت "مادورودام" في مدينة لاهاي بهولندا، وتذكرتني وأنا أتجول في أنحاء الماكيت بشوارعه المصغّرة، وحول مبانيه التي لا يزيد ارتفاعها عن متر، وبجانب مصغّرات القطارات والسيارات والسفن والنهر والجسور والتفاصيل القزمة، ووجدته ماكيتاً جميلاً.

وتصورت ماكيت القاهرة إذا تم تشييده، يمكن أن يكون صرحاً مهيباً، تماماً مثلما كانت هذه الرواية.

في النهاية لا نملك إلا أن نرفع القُبَّعة للأديب المبدع طارق إمام.

ناصر اللقاني

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق