أساطير مقدسة > مراجعات كتاب أساطير مقدسة > مراجعة Mohammed Makram

أساطير مقدسة - وليد فكري
تحميل الكتاب

أساطير مقدسة

تأليف (تأليف) 4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

الأسطورة و علاقتها بالتراث دائما مادة خصبة للبحث و رغم ذلك كانت مادة شائكة دوما فالتراث لدينا يختلط بالدين بصورة يصعب فصلها كثيرا و خصوصا على المستوى الشعبي. فكم من أسطورة تربينا عليها و ترددت في المنازل بل و على المنابر و في المجالس و ما هي من الدين في شيء.

يلقى الضوء هنا وليد فكرى على بعض الأساطير المتغلغلة في النسيج الديني و المبثوثة في أمهات كتب التاريخ و التفسير بطريقة ملتبسه أحيانا لا يدرك القارىء العادي هل يصنفها كجزء خارق لا يمكن للعقل استيعابه مع ضرورة الإيمان به أم هي حكايات على سبيل التسلية و الترغيب و الترهيب و الائتناس و تقريب المعنى أم هي مدسوسة على التراث منذ قديم الزمن و تم تنقيتها من علماء الحديث منذ وقت طويل.

يتدرج الكاتب في إيراده للأسطورة دون تعليق أو تعقيب ثم يلمح بجمل غامضه تحفز تفكير القارىء و تثير حفيضته كجملة

العلوم الجادة كالتاريخ و الأنثروبولوجي و علوم تفسير النصوص الدينية لا ترفض الفكرة بل ومنها ما يحتوى نصوصا مقدسة لأصحابها أو نظريات علمية رصينة تقر الأمر فما بالنا بالفكر الأسطوري المتسع لكل شيء.

و هو بهذا يلمح إلى أن ما أورده من نصوص هو علوم غير جادة في أول تعقيب منه على ما يذكر من أساطير و جاء ذلك في منتصف الكتاب تقريبا بعد أن كدت أن أصنفه ككتاب تسالي و حكايات مواصلات ليس إلا.

يزيد الكاتب الجرعة النقدية بعقده مقارنات تهكمية و ساخرة لبعض المبالغات الواردة في القصص بعد ذلك و كلما تعمقنا في القراءة كلما ازدادت حدة اللهجة التهكمية ليقينه أن القارى أصبح على استعداد لتقبل ذلك بعد أن نزع القدسية شيئا فشيئا عن الحكايات المروية.

المرحلة الثالثة هي مرحلة انتقاد رواة الأخبار أنفسهم لا القصص

و يكفي أن يشتعل هذا الفضول ليخرج علينا رواة الأساطير و الأخبار المتعيشون من صيحات الإنبهار و نظرات الاستغراب بوصف تفصيلي عن تلك المدينة حتى لتحسبهم قد حضروا ببنائها وعاشوا في شوارعها و بيوتها

يأتي في النهاية وعلى استحياء أول طرح نقدي جاد في الكتاب و في الثلث الأخير منه تحديدا بعد يقين الكاتب بأن القارىء بات مستعدا لذلك تماما

والقصة كذلك بها تلميح آخر إلى السعي للمعرفة المحرمة أو المحفوفة بالتحريم فكلما توغل بلوقيا في رحلته قيل له: ما أجرأك على الله. ورغم ذلك فإنه يمهد له الطريق و تفتح له الأبواب. بل وينجو من نار التنين ويقول له جبريل إنه نجا لرغبته في البحث عن حقيقة الرسول محمد و الإيمان به. فهل يمثل هذا التناقض ترجمة للصراع الداخلي لدى البعض بين جرأة الفكر و إطلاق العنان له من ناحية و تقييده و اعتبار أنه اجتراء على المحرمات من ناحية أخرى؟

هل تحمل القصة رسالة مضمونها هو البحث عن الحقيقة فيما وراء الظواهر. جرأة و مخاطرة. ولكن لا بأس بذلك لو كان الحب الإلهي هو دافعك؟

هل ثمة تدخل صوفي ما في صياغة هذه القصة؟ انها تمتلىء بالرمزيات المتكررة في القصص الصوفي. كالسير على الماء و التحرز باسم الله من النار و انقطاع بعض الخلق للتعبد مع المعرفة المحدودة الكافية بالنسبة لهم ما دامت معرفة ايمانية. و القوم الذين يعيشون في نعيم و هم لا يعرفون آدم و لا إبليس. أي أنهم لا يعرفون خيرا أو شر وقد انقطعوا للتسبيح. ثم وهذا الأوضح الظهور الختامي المفاجيء للخضر و اظهاره كرامة أهل الخطوة في نقل بلوقيا إلى أهله الذين هم على مسيرة خمسمائة سنة في ساعة واحدة على ظهور طيور بيض.

و لي ملاحظة أخيرة فهذه القصة التي تحمل بصمات أكثر من توجه فكري فبين رغبة مبطنة في إدانة اليهود أو أهل الكتاب عامة لإنكارهم رسالة محمد و هي رغبة تنم عن تعصب أو تشدد ما دامت بلغت حد تلفيق قصة كهذه و بين معاني صوفية رقيقة و نحن نعلم أن المتصوفين أقل تشددا من غيرهم مع المسلمين. أخمن أن القصة قد تشكلت على مراحل و رويت بطرق مختلفة حتى وصلت إلينا بتلك الصياغة المجمعة. هو مجرد تخمين أو استنتاج و عموما فهذه حال أغلب الأساطير أو القصص الشعبية.

هي إذن ليست مجرد قصة مسلية بها من المبالغات ما بها. بل هي عمل شديد التعقيد له أبعاد مختلفة شديدة الثراء بالمعاني و الرموز.

الكاتب يعلم بالطبع أن كل ما أورده من أساطير و حكايات بل و كل الأساطير هي أعمال معقدة شديدة الرمزية حفظتها الشعوب و دونتها في وجدانها قبل أن تسطر على الورق بأزمنة طويلة و ساهمت في تكوين شخصية هذه الشعوب و تأثرت بها جيلا بعد جيلا على غرابتها و لامعقوليها و لكنه ربما أراد بذكاء أن يستقطب القارىء الحذر و المستجد و الذي لا يستطيع صبرا على نقد موروثاته الثقافيه فتدرج في الحكي الذي يجذب هذا القارىء ثم تدرج في التلميح فالتهكم فالنقد البسيط حتى تصل رسالته بسهوله. هذا بالطبع يحسب له و لكنه أيضا فقد أو كاد أن يفقد القارىء الجاد الذي يحب أن يقرأ تلك الأعمال من منظور نقدي علمي مقارن و هو للإنصاف لم يقصر في ذلك بل أشار إلى بعض الأعمال التي يمكن أن يرجع إليها القارىء الأكثر جديا أو الأشد شغفا.

أول قراءة لأعمال وليد فكري و بالطبع ليست الأخيرة طالما في العمر بقية و في الكيندل بطارية

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق