عطاء الدكتور عبد الوهاب المسيري في كل المجالات الفكرية وخاصة في مجال دراسة الصهيونية والاسرائيليات لا ينكر، فلا أحد يستطيع أن يقترب من الصهيونية ويفهم العقل الإسرائيلي ويدرك الازمات العنيفة الهوياتية والحضارية التي تعصف بهذا الكيان فتجعل لا بديل أمامه سوى العنف والمزيد من العنف والقتل والقهر تجاه الفلسطيني والعربي عموما، حتى يعيش في حالة تهديد مستمر، فذلك هو السبيل الوحيد للحفاظ حد أدنى من تماسكه.

في هذا الكتاب يفتح المسيري النقاش عن من هو اليهودي وما هي اليهودية، وذلك من خلال عدة دراسات منفصلة جمعها المسيري في هذا الكتاب ليسلط الضوء على الخلافات العميقة التي يموج بها المجتمع الإسرائيلي بين متدينيين وعلمانيين وبين الطوائف الدينية المختلفة، لنجد أن أسئلة بشأن أمور يجب أن تكون بديهية وأساسية من أجل وجود للدولة اليهودية، التي تعمل الصهيونية والعيادات الإسرائيلية على خلقها على أرض فلسطين، هي مثار خلاف عميق داخل المجتمع الإسرائيلي. فليس هناك إجماع حول من هو اليهودي، واليهودية المزعومة لها تجلياتها المختلفة والمتعددة بل والمتصارعة. فكيف يمكن أن يكون هناك دولة يهودية تقبل وترحب بالحرية الجنسية والشذوذ وتتمنى في كل مفاصلها قيم الاستهلاك والامركة. فهذه كلها الأمور من المفترض أنها تضرب في اليهودية عند الجذور. لذلك يبدوا عند قراءة كتاب المسيري أن الدولة اليهودية مستحيلة، وأن هذا الكيان لا سبيل أمامه لضبط تناقضاته وصرف النظر عن حدة صراعاته واضفاء أي قدر من الوحدة بين طوائف وطبقاته وفئاته، سوى الخرب والقتال والقتل المستمر للفلسطينيين والعرب.

من المهم جدا قراءة أعمال الدكتور المسيري لفهم طبيعة ما نواجهه من صهيونية وكيان إسرائيلي، والمسيري متسلح بنظرة وفلسفة شاملة للوجود والانسان، فلسفة مؤمنة ومتمركزة حول وجود إله خالق لهذا الكون والإنسان ويقف هذا الخالق على مسافة من هذا الوجود وليس حال فيه. المسيري بنى تلك الرؤية عبر سنوات طويلة من الدرس وللتأمل، مما يجعلنا نقف بكل الاحترام والتبجيل أمامها، ولكن ليس بالضرورة القبول بها كاملة أو بشكل مصمت، ربما كان أهم نقطة تجعلني أقف على مسافة نقدية من أعمال المسيري ما ينتابني من شعور بأن المسيري في سعي دائم خلال كتابته لتطويع الوقائع وصبها في إطر رؤيته وداخل مسابك فلسفته مما يجعل الفرد أحيانا يقلق من مدى موضوعيتها وعلميتها. لكن في النهاية يبقى أن أعمال المسيري التي تتناول الصهيونية والاسرائيليات منبع علم ومعرفة لا بديل عنه لكل من أراد أن يعرف ويفهم ويدرك ويتسلح في المعركة بالوعي اللازم والضروري.