اقتباسات من رواية جزيرة الأشجار المفقودة

كانت محاكمات نورمبرغ علامةً مهمَّة. ففيها أدرك الناس حقيقة أعمال العنف العشوائيَّة. حين يغدر الجار بالجار، ويخون الصديق صديقه. هذا نوعٌ مختلفٌ من الشرّ، نوعٌ لم تتصدَّ له البشريَّة بعد. الموضوع صعبٌ في العالم كلّه، أقصد الأفعال الوحشيَّة التي تقع خارج ساحات المعركة

للبشر وَلَعٌ بالحذف قدر ولعهم بالتوثيق، لا سيَّما المنتصرين، القابضين على القلم الذي يدوِّن حوليَّات التاريخ.

حاول كوستاس أن يقول شيئًا، واليأس يحرقُ قلبَه، لكنَّ الكلام بدا عقيمًا.

«لم.. لم أكن أعرف».‏

⁠‫‏«طبيعيّ. لقد بقيتَ بعيدًا فترةً طويلة». لم تكن في صوتها أيّ عاطفة. لا أثر من غضبٍ أو مرارةٍ أو حسرة. كان صوتًا كالفولاذ، مسطَّحًا، ومنيعًا.‏

كان يعرف أنَّ الجسور لا تظهر في حياتنا إلاَّ حين نكون جاهزين لعبورها.‏

لا يوجد مكانٌ أغرب من العقل البشريّ؛ إذْ يُصبح وطنًا ومنفى. كيف يمكن له أن يتمسَّك بشيءٍ عابرٍ غير محسوسٍ كالرائحة، بينما يستطيع أن يمسح أجزاءً ملموسةً من الماضي، قطعةً قطعة؟‏

فقد تعلَّمتُ أنَّه لا فائز في الحرب والتقسيم، لا البشر ولا غيرهم.‏

لا يوجد ساردٌ موضوعيٌّ بالكامل، لكنَّني كنت أحاول دائمًا أن أستوعب القصَّة من زوايا مختلفة، ومنظوراتٍ متغيِّرة، ورواياتٍ متضاربة. الحقيقةُ جُذمور، والجذمور نبتةٌ تحت الأرض لها فروعٌ جانبيَّة. لا يمكنك الوصول إليها إلاَّ بعد أن تحفر عميقًا، وبمجرَّد استخراجها ينبغي عليك أن تعاملها باحترام.

ثمَّة موضوعان لا يشبع منهما البشر أبدًا، لا سيَّما إنْ كانوا قد تجرَّعوا شيئًا منهما: الحبّ والسياسة

لم يعد ينتظر منها جوابًا، لكنَّه ظلَّ يكتب على أيِّ حال. هكذا استمرَّ في إرسال أحرفه جنوبًا، كأنَّما يُطلق آلاف الفراشات المهاجرة وهو يعلم أنَّها لن تعود أبدًا.‏

من أين تبدأ قصَّةُ المرء حين يكون لكلِّ حياةٍ أكثر من خيطٍ واحد؟ وحين يكون ما نُسمِّيه مولدًا ليس البداية الوحيدة، في حين أنَّ الموت ليس بالضبط نهايةً؟‏

كان قد خطر في باله أنَّ أحد الفروق الكاشفة بين الشباب والكبار ربَّما يكمن في هذه النقطة تحديدًا. فحين يكبُر المرءُ يقلّ اهتمامه بصورته عند الآخرين، وعندها تزداد حرِّيَّته.‏

يظنُّ الناس أنَّ الأمر يتعلَّق بالشخصيَّة، ما إذا كانت متفائلةً أم متشائمة. لكنِّي أرى أنَّ أصل الأمر يتعلَّق بالعجز عن النسيان. فكلَّما ازددتَ قوَّةً في التذكُّر قلَّ زادُك في التفاؤل. لا أزعم أنَّ الفراشات لا ذكريات لديها. لديها ذكريات طبعًا؛

الأماكن التي نولد فيها تُشكِّل حياتنا، حتى حين نبتعد عنها، بل بالذات حين نبتعد.

إنْ كنتَ تنتظر من الحبَِّ أن يكون معقولاً، فالأرجحُ أنَّك لم تعرف الحبَّ قطّ.‏

إنْ كنتَ تنتظر من الحبَِّ أن يكون معقولاً، فالأرجحُ أنَّك لم تعرف الحبَّ قطّ.‏

لم تشعر قطَّ بخوفٍ من الغد كما تشعر الآن.

لقد أصبحت وحيدة.

وماذا عن الحبّ؟ قبل اليوم كانت ستُجيب عن هذا السؤال بطريقةٍ مختلفة، لكنَّها اليوم واثقةٌ من أنَّ الحبّ ينبغي أن يكون «شيء خدَّاع يكسر القلب في نهاية المطاف».‏

أتعرفين ما خطر في بالي منذ ذلك الوقت؟ خطر لي أنَّكِ أنتِ بَلدي. هل ما أقوله غريب؟ من دونكِ لا وطن عندي في هذا العالم. من دونك أكون شجرةً صريعة، مقطوعة الجذور، تسقطُ بدَفعةِ إصبعٍ لا أكثر.‏

حين يفرُّ الغربيُّون هكذا، فهذا يعني أنَّنا نحن الباقين هنا في ورطةٍ كبيرة