باب الزوار > مراجعات رواية باب الزوار > مراجعة Sylvia Samaan

باب الزوار - محمد إسماعيل
تحميل الكتاب

باب الزوار

تأليف (تأليف) 4.2
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

لنا جارة تئن!

صدقًا، لا أدري بماذا أتحدث عنها، أو بالأحرى أخشى أن أظلمها وأظلم كاتبها إن تحدثت عنها؛ فالرواية لم تكن سطور وصفحات لكنها رحلة، لا بل رحلتان، رحلة في قلب آتون مستعر بلهيب الفقد جراء جرائم تسبب فيها الإرهاب في الجزائر جارتنا، بلد المليون شهيد التي عانت الاحتلال والإرهاب وتمزق أبناءها ما بين مؤيد ومعارض، ما بين أمازيغي وعربي، ورحلة لبلچيكا لجأ إليها أبناء وبنات الجزائر هربًا من حتفهم وأملًا في الثراء والأمان.

شخصيات الرواية في غاية الثراء فاستهل محمد إسماعيل كاتبها ببداية تحبس الأنفاس بهروب باهية مصطحبة الابنة الصغرى زهرة وثورة صالح الزوج ومؤازرة الجيران.

ليأخذنا في رحلة بالتتالي داخل نفسياتهم وكأننا نتلمس حنايا قلوبهم وما يعتمل في صدورهم من أفكار.

فنجد من كانت تشتاق الفكاك من سعير الاقتتال والتفجيرات وهربت طمعًا في الثراء فلم تستطع تحقيقه إلا بتقديم تنازلات مخجلة في سبيل التجنس ومشروعية الإقامة، ومن هربت خيفة من مجازر لا تعلم حقيقة مرتكبيها ومن قد يستفيد من وراء حدوثها وقد تحملت الكثير من الصفعات كي لا تبقى وحيدة.

ومن حبس نفسه وراء زجاجة نبيذ يحتسيها يوميًا وكأنه روتين يزيده صبرًا عن وقف الحال الذي أصاب حانوته ومهنته التي تراجعت أمام كم ضخم من معروض جاهز للبيع.

وهناك المدرس المصري الذي لم يرتبط بمصر كما ارتبط بالجزائر حتى أن ابنته تتقن اللهجة الجزائرية الدارجة عن إتقانها للمصرية!

مصري ليس له منزل إلا في الجزائر لكن امرأته وابنته فضلا الرجوع لمصر بعد أن زاد الإضطراب فوق ما تحتملا وعاد وحيدًا يجر أذيال خيبته ووحدته فأصبح يتلمس دفء مقعد السيارة المجاور له ما أن تدفأ بطاقة من جلس عليه وجالسه، ربما ليضيف دفئًا على حياته التي أصبحت جامدة باهتة

أما فاطي فهي من الشخصيات المثيرة حقيقة فأحببتها وارتبط بها، أحببت مؤازرتها لأبيها ومساعدته ليكتشف نفسه من جديد وليعود الزمن به للوراء مدة عشر سنين او يزيد.

فاطي التي ما أن شعرت بإحساس يولد لم ينبغي له أن يرى النور فابتعدت إحترامًا وتقديرًا.

أي قارئ سيتلمس طريقه صعودًا إلى القمة لسيدة افريقيا ليرفع يديه مسبحًا داعيًا

يا سيدة إفريقيا.. تضرَّعي لأجلنا ولأجل المسلمين"

وتتوسط تلك الجملة بالعربية القوس الكبير المقابل للجالسين. يحدُّه من الأعلى إفريز من نقوش على شكل نجمة داود، ثم يمتد للقبة الكبرى التي تحمل فوق رأسها الصليب. هل يجمع حائط واحد في الدنيا الأديان الثلاثة معًا إلا هذا القوس؟ !

كثيرون فلوا وهربوا، تغربوا بدون إرادتهم فمن هي تلك التي تترك الشرفة الواسعة التي يفترشنها بفراء الكبش سعيًا للدفء في انتظار نضج الطعام مُشعلة سيجارة محلية الصنع، لتعتلي شرفة ضيقة في مولانبيك بالكاد تحتويها جالسة تلصق ركبتيها بالسور الحديدي وظهرها مستندًا إلى الحائط.

ومن تحول مستقبلها من طالبة مدرسية وطفلة مدللة إلى فتاة عاملة توصل الحشيش لطالبيه!!

البقاء على من بقى أولى من البكاء على من فل، أظن أن فاطي قد أدركت هذا فساعدت أبيها صالح على الخروج من عنق الزجاجة لتبدأ معه علاقة جديدة علاقة قد نست أن تستمتع بها منذ زمن بعيد، علاقة ودية لأب مع ابنته داعمته فأصبح الدار سكن ووطن بعد أن كان مبيتًا للنوم.

في النهاية لا يسعك سوى التغني على أنغام أغنية دحمان الحراشي

يالرايح وين مسافر تروح تعيا وتقول لي

شحال ندموا العباد الغافلين قبلك وقبلي

مشتهيًا كل ما لذ وطاب من تلك الأطباق التي ورد ذكرها بصفحات الرواية

استوقفني العديد والعديد من الاقتباسات التي لمست قلبي وإن لم تلمس الفؤاد فقد لامست العقل محفزة إياه على التفكر، ومنها:

مَنْ أنزل الموت من عليائه ليقف بين ظهرانينا بسحنة تشبه سحنتنا كثيرًا فلا نلتفت لوجوده؟ لم يفعل بنا ذلك سوى الوفرة في القتل، وفرة أورثتنا كرمًا فيه حتى صرنا نَهبُه لأتفه الأسباب

أحقًّا الماضي أجمل؟ أم أننا نحِنُّ إلى طمأنينة كانت تسكننا عندما كنا نسكنه؟

‏لماذا يصرُّ المُحبُّون على التلاقي في أماكن خلابة ثم يُديرون ظهورهم لجمالها ويتفرس أحدهم في وجه الآخر؟ يا لحماقتهم!

‏ هل نحن حقًّا نهجر أوطاننا لننساها أم لنعيد بناءها حولنا كما نحب؟

كلمة الحرب المقدسة وحدها تكفي لأن تنتزع كل شك من قلبك فتقتل بلا هوادة، بيدَ أنها في واقعها طِلَّسْم يفهمه كلّ بطريقته. فحربنا مقدسة لأنها على الإرهاب، وحربهم مقدسة لأنها على الطاغوت الذي نمثله. ما الجديد هنا؟

وهل قامت حرب إلا وكان طرفاها على حق في اعتقادهم؟ وكلما اشتدت وطالت تُنسِيك فِيمَ نشبت، فالكل مُثخَن ومكلوم ما عاد أحد يفكر لِمَ بدأنا، فالمهم هو ألَّا نتوقف.

تزداد كل الصور قبحًا كلما اقتربنا منها أكثر. ربما اتضح جمالها إذا تعمقنا فيما وراءها.

الجرائد والتلفاز والمذياع تعمل على تلقيننا أكاذيب واضح عوارها، لكننا نبتلعها بالتكرار ونتلقفها برغبةٍ في التصديق.

حتى من كانت صنعتُه الكلام قد يقتله الكلام من دون أن يدري.

وقد يأتيك رزقك على يد أكبر مُبغضِيك.

من منَّا لم يقضِ منه الإرهاب وطرًا؟ لا أعني بالضرورة قتلى وإن كدت أزعم أن عائلتك قدمت نفسًا أو بعض نفس كقرابين لهذا الغول.

وهل ينظر الموت على جنسياتنا فيأخذ ويترك؟

طراز المحل العتيق يشبه واحة تنزعك من أيام الرعب برقَّة وتعود بك إلى السبعينيات الجميلة.

لا حزن يطول ولا فرح.

‏أخيرًا وليس آخرًا أود أن أشيد بفصحى الكتابة وجزالة المفردات وعذوبتها وقد اتسمت بسهولتها في ذات الوقت.

أمتعتني في روايتك التي تناولت بلدًا وشعبًا لم أكن أعلم عنهم سوى القدر اليسير.

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق